القراءة والمكتبة
تقع القراءة في قلب كل عمل نقوم به، فهي أساس المعرفة، وطريق كل تقدم بشري في الماضي والحاضر. وعندما بدأ الوحي بآية اقرأ إلى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم) كان وراء ذلك –والله أعلم- إشارة بليغة مفادها أن باب الإيمان القراءة، وباب العلم القراءة، وباب الدنيا القراءة، وباب الآخرة القراءة.
والقراءة ترتبط ارتباطاً مباشراً بالكتابة والكتب والمكتبات، فهي الوجه الآخر للتواصل الكتابي. ولن تكون هناك قراءة إلا لشيء مقروء، والكتب –بأنواعها- أعظم المخازن للنصوص والأشكال المقروءة. لذا فإن الكتاب سيبقى أعظم العلامات المضيئة ذات المعنى في تاريخ البشرية كله، وستبقى المكتبة أقدس مكان لجمع الكتب.
دور المكتبة المدرسية في التشجيع على القراءة
ونظراً لأهمية المكتبة في تيسير الوصول للمعارف بأنواعها وأشكالها، وفي إرواء نهم محبي المعرفة، والباحثين عن المعلومات والخبرات، فقد أصبحت أمراً أساسياً ومهماً في تحقيق أهداف التربية والتعليم. والمكتبة المدرسية تعد من أوائل المكتبات الرسمية التي يقابلها الطفل في حياته، وترتبط علاقته بأنواع المكتبات الأخرى في المجتمع بالانطباع والتأثير الذي تحدثه هذه المكتبة، وبالخبرات والمهارات التي يكتسبها فيها ومن خلالها.
ويمكن أن تؤدي المكتبة المدرسية دورها المعرفي والوجداني، وتغري التلاميذ لأن تكون المكان المحبب لهم، إذا كانت في مكان مناسب، وجميل، ومريح، وفسيح، ونظيف، ومنظم، ومرتبة بطريقة جيدة. إنها يمكن أن تكون المكان الذي يرتاح فيه الطلاب من أجواء النظام والدراسة والواجبات، حتى إنه أطلق عليها في بعض الدول المتقدمة كالسويد والدنمارك “غرفة الراحة والمتعة”.
صفات ومؤهلات أمين المكتبة
ولتحقيق أهداف المكتبة فقد أوكل بها أمين –وليس حارساً- مهمته لاتقل أهمية عن مهمة أي عضو يشترك في العملية التربوية داخل المدرسة أو خارجها. بل إن أمين المكتبة هو مفتاح نجاح برنامج القراءة وتنمية المعرفة في المدرسة، فله دور كبير في تنمية الاتجاه الإيجابي نحو القراءة، ونشر الوعي القرائي، وتوسيع دائرة المستفيدين من المكتبة، وزيادة المعرفة بأسس التعامل مع الكتاب والمكتبة. وهذا الدور لا يقتصر على التلاميذ فقط –كما هو شائع لدى كثير من أمناء المكتبات المدرسية- بل إن دوره يتجاوز التلاميذ في المدرسة إلى أسرهم داخل البيوت، وإلى الهيئة الإدارية والتعليمية في المدرسة، وكل من يتردد على المدرسة أو يعمل فيها مثل الحارس، أو العامل، أو غيرهما. ولن يستطيع أمين المكتبة القيام بهذا الدور العظيم إلا إذا توفرت فيه صفات تؤهله لذلك، منها:
- حب القراءة، والاتجاه الإيجابي نحوها. فلأن الهدف الأسمى من مكتبة المدرسة تنمية الاتجاه الإيجابي نحو القراءة كان لابد من أن يكون أمين المكتبة قارئاً ومحباً للقراءة، وإلا فإن فاقد الشيء لا يعطيه.
- الثقافة العامة وسعة الاطلاع. خصوصاً فيما يتعلق بعناوين الكتب وموضوعاتها، وأسماء مؤلفيها، والعصور التي كتبت فيها، والقديم منها والحديث، وهكذا.
- الاستعداد للخدمة العامة، والروح التعاونية، وحب المساعدة، والمبادرة للتوجيه والنصح وإبداء الرأي عند الحاجة إلى ذلك.
- البشاشة واللباقة في التعامل مع رواد المكتبة خصوصاً الأطفال.
- الوعي بأهمية الدور الذي يؤديه أمين المكتبة ومعلمها تجاه الآخرين.
- معرفة كافية بمراحل نمو الأطفال واحتياجاتهم.
- ومعرفة كافية بمراحل تعلم وتعليم القراءة. فأمين المكتبة جزء مهم من العملية التعليمية والتربوية، ومعرفته بمراحل تعلم القراءة يعينه ويعين غيره من المعلمين على تحقيق أهداف تعليم القراءة داخل المدرسة. وفي كل مرحلة من تلك المراحل يبقى الهدف الرئيس هو تنمية الاتجاه الإيجابي نحو القراءة، وغرس حب الكتاب والمكتبة، وتشجيع اقتناء الكتب. ولأهمية هذه المراحل، فسنشير إليها إشارة عابرة فيما يلي:
مراحل تعليم القراءة
يقسم التربويون مراحل تعليم القراءة وتعلمها واكتساب مهاراتها، والاستمتاع بها إلى سبع مراحل، هي:
- مرحلة الاستعداد لتعلم القراءة، وتمثلها مرحلة رياض الأطفال (4-6 سنوات)
- مرحلة البدء في تعلم القراءة، ويمثلها الصف الأول الابتدائي، وفيها يتم تعرف أبجدية اللغة، وتعرف مجموعة المفردات والجمل، وفهم معناها، والسيطرة على بعض المهارات الأساسية للتعرف والفهم.
- مرحلة السيطرة على المهارات الأساسية للقراءة، ويمثلها الصفان الثاني والثالث من المرحلة الابتدائية، وفيها تتم السيطرة على المهارات الأساسية للقراءة، وهي التعرف والفهم بمستوياته، والنطق، والسرعة المناسبة.
- مرحلة القراءة الواسعة، وتمثلها الصفوف الثلاثة الأخيرة من المرحلة الابتدائية، ويتم فيها استخدام القدرات اللغوية في تحصيل المواد الدراسية المختلفة، والسيطرة على بعض مهارات الدراسة لتلك المواد، أي أنه لايقتصر تعليم القراءة على السيطرة على مهاراتها، بل يتعدى الأمر ذلك إلى التدريب على قراءة المواد الدراسية الأخرى كالعلوم والرياضيات والدراسات الاجتماعية.
- مرحلة الصقل والمراجعة والتهذيب، وتمثلها المرحلة المتوسطة والثانوية، وتتم فيها مساعدة الطلاب أكثر على القراءة في المواد الدراسية الأخرى، وتحديد مشكلات القراءة، والعمل على مواجهتها، وفتح مجال أكثر للقراءة الواسعة في المجالات المختلفة، وإعطاء الطلاب فرصة للقراءة العلاجية التصحيحية، واستخدام مهارات الدراسة في إجراء بعض البحوث، أو كتابة المقالات.
- مرحلة القراءة العلمية المتخصصة، للمرحلة الجامعية.
- مرحلة القراءة العامة للثقافة والمتعة والخبرة، وهي القراءة التي تستمر مدى الحياة.
الخدمات والأنشطة التي يمكن أن يقوم بها أمين المكتبة:
هناك خدمات كثيرة يمكن لأمين المكتبة القيام بها من أجل تحقيق أهداف المكتبة، إضافة إلى المساعدة في تحقيق أهداف برنامج القراءة العلمي والمهاري، وتشجيع عادة القراءة لدى التلاميذ والمستفيدين. وهذه الأنشطة ما هي إلا جزء من أفكار عامة يمكن أن يضيف إليها أمين المكتبة بما يتوفر لديه من خبرات وإمكانات. فمن هذه الأنشطة:
- توفير مصادر المعلومات المطبوعة مثل الكتب والدوريات والنشرات والمراجع المتخصصة، وإبراز الجديد منها في مكان يسهل الوصول إليه.
- تطبيق أنشطة قرائية مثل “ساعة القصة” وفيها يتم سرد القصص بأسلوب درامي جميل ومشوق.
- تنظيم نوادي القراءة، مثل النوادي لذوي الميول الأدبية، والنوادي لذوي الميول العلمية، والنوادي لذوي الميول التاريخية.
- تنظيم معارض الكتب المختلفة: معرض القصص والروايات، معرض الكتب العلمية، معرض المجلات العامة، …
- تنظيم مسابقات القراءة، مثل مسابقة القراءة الحرة، والقراءة الناقدة، والقراءة الشعرية، مسابقة أفضل قارئ، ومسابقة أكثر الطلاب استعارة للكتب.
- تنظيم الدورات العلمية المتخصصة، مثل دورة في كيفية التأليف والنشر، ودورة في تنظيم المكتبة المنزلية، ودورة في استخدام المعاجم والموسوعات، ودورة في التصنيف، ودورة في كيفية البحث في المصادر المختلفة.
- تنظيم المحاضرات والندوات التي تسهم في تعريف الطلاب بأهمية القراءة، ودورها في حياتهم، والتي تنمي معلوماتهم، وتدربهم على المناقشة وإبداء الآراء.
- استضافة بعض المؤلفين، وكتاب القصص، ومخرجي الكتب والرسامين وغيرهم للتعريف بكتبهم وتجاربهم في التأليف.
- حث الطلاب على التجاوب مع مايقرأونه من كتب وموضوعات من خلال النقد الهادف لما قرأوه، أو الإضافة إلى ماقرأوه، أو تلخيص ماقرأوه، أو مخاطبة المؤلف للسؤال والاستفسار عن شئ لم يألفوه أو يفهموه.
- حث الطلاب على الكتابة العامة، وتأليف الكتب الخاصة، ونشر إبداعاتهم الكتابية في المجلات العامة والخاصة.
- تنظيم الزيارات والرحلات القصيرة إلى المكتبات المشهورة في البلد.
- الإرشاد القرائي، مثل إرشاد ذوي الحاجات الخاصة والموهوبين إلى ما يناسبهم من مواد مقروءة، أو ماينفعهم في حياتهم، وكذلك إرشاد ذوي الميول المختلفة إلى مايعزز ميولهم، ويدعم توجههم.
إن التربويين يعولون كثيراً على الدور الذي يقوم به أمين المكتبة ومعلمها داخل المدرسة وخارجها في انتشال أبنائنا من حالة العزوف عن القراءة إلى حب القراءة والاطلاع، أملاً في رقي الأمة وارتفاع شأنها في أوساط الأمم الأخرى، فنحن الآن في سباق معرفي وعلمي وتقني لم تشهد له الأمم في تاريخها مثيلاً.