البنية التحتية المعلوماتية في المملكة العربية السعودية بين الواقع والمأمول

 

نعيش اليوم في عصر الثورة المعلوماتية ، الذي بدت ملامحه منذ ما يقارب نصف  قرن ، منذ اختراع الحاسوب (Computer)، و بدايات ظهور الإنترنت (Internet ) في عام 1969 م في الولايات المتحدة الأمريكية كمشروع تجريبي لوكالة مشاريع الأبحاث المتقدمة ( أربا )(Advanced Research Projects Agency ) (ARPA) التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية . وكان الهدف الأساسي لهذا المشروع التجريبي هو إيجاد وسيلة فاعلة لربط أجهزة الحاسوب بشبكة اتصال بيانات عبر مساحة جغرافية واسعة ، يستخدمها العلماء والباحثون في عدد من الجامعات ومراكز البحوث الأمريكية لتبادل المعلومات ونتائج بحوثهم التي يقومون بها لصالح وزارة الدفاع الأمريكية، وأطلق على هذه الشبكة حينذاك اسم ( ARPAnet ) ( أربانت)[1].

وتطور هذا المشروع على مراحل وآليات ، حتى وصل إلى ما وصلنا إليه اليوم من التطبيقات المتعددة والمختلفة ، التي تخدم مختلف بيئات الاتصال والتواصل وتقنية المعلومات ، و تسابق  العديد من الحكومات منذ الثمانينات لتوفير هذه الخدمة والاستفادة منها اقتصادياً وأمنياً وثقافياً ، من بينها  الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ، والتي انضمت لمؤشر «الاستعداد الرقمي» الذي تصدره مؤسسة إيكونومست يونت «EIU» بالتعاون مع شركة «IBM» الذي يعد مقياساً مقارناً لتقويم وضع البيئة الالكترونية الرقمية لأداء الأعمال وملاءمة البنية التحتية للمعلوماتية والاتصالات وللبرامج الحكومية المعلنة وحجم التجارة  الإلكترونية في الدولة ضمن 60دولة و تحتل المملكة العربية السعودية الآن المرتبة 45 على مستوى العالم في الجهوزية لعصر المعلوماتية [2].

وهذا يظهر العديد من الجهود المبذولة من القطاع الحكومي والخاص في تحقيق هذه النتيجة المشرّفة فانطلاقاً من المؤتمرات الوطنية التي بلغ عددها سبعة عشر مؤتمراً بإشراف جمعية الحاسبات السعودية ، ووصولاً إلى الخطة الوطنية للمعلوماتية ، وما تلاه من تخصيص وزارة للاتصالات وتقنية المعلومات وما تحقق بوجود بيئة الاتصالات من توفر عدد كبير من مزودي الخدمة وتطبيقات الإنترنت .

مما سبق نجد أن واقع البيئة الرقمية لعصر المعلوماتية واقع مشجع لنمو أكبر مجتمع معلوماتي بما يتوفر به من مكونات مادية.

والتساؤل  هنا :  هل يصل مجتمعنا بمكوناته البشرية إلى مستوى المكونات المادية ؟

بمعنى هل  وجود جهاز حاسب في كل بيت ، وهل تحقيق وجود معامل للحاسب الآلي بكل مدرسة ، وهل توفر هذا الزخم الكبير من الخدمات الرقمية والمعلوماتية وخدمات الاتصال من القطاع الخاص ، هل كل هذا يشير إلى أننا نعيش  عصر المعلوماتية الذي نتطلع إليه ؟

 

في الحقيقة……. لا ،  فكل ما سبق هو الشق المادي ويتبقى الأهم وهو الشق البشري والذي يجب أن يحظى بتربية تتوافق مع مستوى الحدث العالمي فيكون مستخدماً للتقنية استخداماً صحيحاً بدلاً من أن يكون مستهلكاً يرى بأن التقنية ترف وفرته له الطفرة المادية  التي يعيشها دون غيره .

 

فعلى سبيل المثال :   تقنية الهاتف الجوال  الذي  يعد أكبر مصدر دخل بعد البترول ، لا يستخدم بالشكل الصحيح بل على الرغم من تكلفته المادية وأضراره الصحية ، وأنه أداة اتصال قل أن تجدها في أيدي عامة الناس في البلدان المتقدمة ، وبالمقارنة في بلادنا فإن نسبة كبيرة من شريحة المستخدمين هم من المراهقين الذين ليس في وجوده بين أيديهم حاجة ضرورية تساوي المقابل المادي الذي يستهلكه ، بل وأن آلية استخداماته بين أيديهم لا تعدو أن تكون نوعاً من التسلية السخيفة ولا أدل على ذلك إلا أنك تجد طالب المرحلة المتوسطة وبيده شريحتي جوال إحداهما من نوع (سوا) والتي يبتغي بها إيذاء غيره دون أن يقتفى أثره .ثم لننظر إلى  آلية الاستخدام لدى فئة أخرى من الراشدين فهو وسيلة للحديث الجانبي والسؤال عن الأهل والأحوال فهل يستثمر أبناؤنا قيمة المكالمة ، بمعنى أن القيمة المستهلكة من الاتصال لها مردود من تلك المكالمة.

 

وعلى ما سبق قس جميع الاستخدامات للتقنيات الحديثة فهل نستفيد من المكونات المادية المتاحة والتي وفرتها لنا الطفرة المادية التي نعيشها أم أنها سترحل كسابقتها من الطفرات والمكونات بعد انقضاء عمرها الافتراضي دون أن نحقق استثماراً ناجحاً فيها ؟!!

[1]. د. نبيل إسماعيل مدني (شبكة “انترنت” العالمية تعريف وتحليل)

[2]. النادي العربي  لتقنية المعلومات والإعلام 10/10/2003 و العالم الرقمي .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى