وماذا بعد مشروع “حاسب لكل منزل “

أ/ إعتمــاد محمد صالح مؤمنة ; جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية ; libomdah@hotmail.com ;

الصفحات: 16 - 19

 

المشروع الوطني لتوطين تقنية الحاسب الالي والمعلومات كان بذرة جيدة في طريق نشر ثقافة استخدام التقنية في عصرنا الحاضر وتنمية المجتمع فكريا لمواجهة مستقبل محمل بالكثير من المفاجات التقنية التي تتطلب استعدادا بشريا لاستيعابها والتعايش معها ومع ما تكتنزه من معلومات. وبالطبع فان الحكم عليه من الان يعتبر مبكرا حتى يمكن رؤية وتلمس ثماره وتاثيره على شرائح المجتمع المختلفة والتي لن تكون قبل مرور عام على الاقل. لكن تقييم نجاح المشروع لاشك انه نصب اعين المسئولين والمتوقع انهم اعدوا العدة لوضع الخطط البديلة في حالة ظهور عوامل اثرت سلبا في اقبال المواطنين على اقتناء الحاسب الالي مثل:
1- نوعية الاجهزة المتاحة في البرنامج.
2- قيمة مقدم الدفعات او الاقساط الشهرية غير المتوافقة مع دخول البعض.
3- عدم جاهزية شركات الاتصالات لخدمة الجميع في كل المدن والقرى بنفس السرعة والكفاءة.
لاشك ان عجلة التسارع في بيئتنا بطيئة جدا وهذا قد يعود الى حرص الجميع على اخذ المناسب واهمال غير المناسب لابناء هذا الوطن الكريم, ولكن لان السباق العالمي يكاد يفقدنا توازننا امام تاخرنا في تبني هذه التقنية, فقد اعيد طرح الموضوع واستحث الجميع على الاسراع في الخطى لنواكب باقي الامم في مسيرتها التنموية.
من وجهة نظري فان وزارة الثقافة والاعلام بالاضافة الى وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات وهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية عليهم مسئولية تسريع اجراءات نشر المعلومات ونظام المعلومات لاهمية نقل المجتمع نقلة حضارية غير مسبوقة, واستيعاب ذلك ليكونوا عونا لاصحاب الصلاحية على انجاح اهدافهم النبيلة بالمتابعة الحثيثة والمراجعة اللصيقة لكل خطوات التطوير المقرة لهذا البرنامج.
نحن الان في حاجة ماسة الى زيادة الوعي المعلوماتي لدى الفرد الذي سينعكس بالتالي على المجتمع, الا ان آليات العمل تكاد تكون غائبة. قد يميل الكاتب احيانا الى وضع توصيات تنير طريق المسئول الغارق في معاملاته, وتضيف للقاريء صورة منهجية ومنظمة تجعله يتفاعل مع القضية ويساهم في انجاحها. ولكن الاهم ان يتم العمل على تنفيذها او محاكاتها بهدف الوصول لنفس النتيجة العامة. الطريق طويلة ومحفوفة بالمصاعب والعقبات, وليس المسئول عن ذلك فرد او جماعة لان جميعنا مسئولولن مسئولية جماعية عن وصولنا للغاية وتحقيق الهدف. فقد تكون اولى الاهتمامات تفعيل توصيات الندوات والمؤتمرات المقامة بخصوص تاسيس البنى التحتية لتقنية المعلومات, مع توحيد البرامج الممكن ان تتبناها الجهات المختلفة لتحفيز استخدام الحاسب ليكون تحت مظلة واحدة لايقاف الهدر وتوحيد المرجعية والاداء. يلي ذلك متابعة تنفيذ بيان الغرفة التجارية بالرياض في عام 2001م وذلك بالاستمرار في الاستثمار حيث ان السوق مازالت تستوعب اكثر مما ضخ فيها للان. ولئلا نظل في دوامة توفر الوظائف وملاحقة وزارة الخدمة المدنية في توفير الوظائف لهذه الوزارة او تلك المنطقة. لابد من التخطيط لتوظيف اكثر من 3000 خريج في علوم الحاسب وتقنياته والذي يصعب استيعابه في القطاع العام. وعلى صعيد تهيئة البيئة للحكومة الالكترونية فلا بد من وضع جداول زمنية للدوائر الحكومية والقطاع الخاص تكون بنهايتها تستخدم وسائط الاتصالات الحديثة وتقنياتها في جميع اجراءاتها للوصول الى اتمتة الاعمال بنسبة 50% على الاقل ثم تعطى مدة اخرى للأتمتة الكاملة مع متابعة التقدم المبني على جودة الاداء لضمان استمرارية العمل.
اما دور الهيئة فسيكون مهما في تنظيم سوق المنافسة وتوسعها مع الاستمرار في تخفيض رسوم تاسيس وتشغيل خدمات الاتصالات بما فيها الانترنت, كخطوات مساندة لتوسيع قاعدة الاستخدام واثراء ساحة المنافسة بزخم عددي وقوة مالية وفنية يستفيد منها المستخدم ومقدم الخدمة. اما كيف يكون للقطاع الخاص دوره في هذه المرحلة فبعد توقيع اتفاقية منظمة التجارة العالمية فيفضل ان يكون الاهتمام اولاً بالانسان. هذا الفرد الذي يعول عليه تنفيذ كل الخطط, والرقي بكل الاعمال والتوجه بالمجتمع نحو مصاف الدول المتقدمة باذن الله. فقد يكون في تنويع الاستثمار في التقنية والمعلومات بالاضافة الى تدريب النشأ من شباب الامة ما يساعدنا على الانتقال الى المرحلة المقبلة في وقت اقصر مثل:
1- الاهتمام بمعاهد التدريب وتقييمها لضمان تخريج نوعيات بمؤهلات يتم البحث عنها ولا تبحث هي عن تحسين وضعها او توظيفها.
2- انشاء العديد من مصانع تقنيات الحاسب وتسهيل توفير الاجهزة والادوات بما يتلاءم ومتطلبات المرحلة.
3- انشاء شركات للبرمجة وامن المعلومات تساهم في التعريب وتحويل مراكز الارتكاز من الغرب الى الشرق الاوسط لاهمية ذلك في ضمان حفظ سرية معلوماتنا وبايدي وعقول محلية او عربية.
4- دمج شركات التشغيل لتشكيل قوى لها وزنها في السوق للتركيب والتشغيل والاستشارات الهندسية المتخصصة تحسبا لدخول العولمة الاقتصادية التي قد تؤدي الى تهاوى مجموعة كبيرة محتملة من الشركات القائمة ذات الاداء العشوائي او الضعيف المتواضع لعدم امتلاكها عناصر النجاح اصلا.
5- وجوب اخذ المبادرة مع الجهات المختصة باصدار النظام الوطني للمعلومات لتاطير ما لا تحمد عقباه اذا انفرط, وردع مالا يمكن ردعه اذا تعدى اخلاقيات وادبيات الافادة من المعرفة الا وهو النشر الالكتروني العشوائي وغير المنظم.
لا يفوتني ان انوه هنا بان دور المرأة الحقيقي في خدمة المجتمع غُيّب في كثير من المجالات والنواحي بدليل تواضع وقلة برامج تدريبها وتاهيلها في علوم التقنية في السابق, وتذبذب مستوى الجهود في رفع مستوى الوعي لديها حاليا, وهذا سيظهرها مهزوزة مع انها تحاول جاهدة تحقيق تنامي المعرفة لديها عبر كل وسيلة متاحة لها. وبالتالي قد يقودنا هذا الوضع الى ما اسميه “عرقلة التقدم التقني للمرأة”. لنا ان نتصور بان تمكن المراة “الام والاخت والزوجة والابنة” من استخدام هذه التقنية في المنزل يحفز كل افراد الاسرة للتعلم والتسابق على تطوير ذاتهم, ولكن هل وعينا الى اهمية تثقيفهم في التعامل مع مستجدات التقنية لا اتقانهم العمل عليها فقط؟. لقد شاع استخدام تقنية البلوتوث (Bluetooth) في مجتمعنا بعكس ما اخترعت من اجله وصممت له, ونعلم جيدا ان مدى استخداماتها فاق التصور عند المجتمعات المتقدمة فحلت كثيرا من مشاكل تعدد الروابط والنهايات بالتعامل معها في ان واحد, والغت اهمية تواجد الفرد بالقرب من المشكلة في كثير من المواقع والظروف. الا اننا جعلناها بثقافتنا الضحلة مسببة للعديد من المشاكل ومقلقة جدا للاباء والامهات اذا ما استخدمت باسلوب سيء. هذا للاسف سيجعل مستقبلنا مفتوحا لما هو اكثر تقدما في علم الاتصالات وتقنية المعلومات, فتقنية الجيل الثالث في الجوال بمميزاتها الايجابية عند الغير قد يكون لها أسوأ تاثير عندنا اذا لم يتم التعامل معها بثقافة عالية ومنهج اخلاقي حسن. فلا نريد ان يُكوى بنارها معظم مستخدميها ويفقد مميزاتها كل جاهل باستخدامها.
من المعروف ان بالابحاث تتقدم الامم وما استعانت امة بنتاج مفكريها وعلمائها لرسم طرائق تقدمها وتنمية احوالها سواء بالتخطيط او نموذجية تنفيذ خططها, الا وكانت أمة مزدهرة تترقبها باقي الامم الاخرى في تتبع خطاها بتبني تجاربها كقدوة وخبرة لا يستهان بها بل في كثير من الاحيان تعتمد عليها. لذلك حري بنا الاستعانة محليا بكليات العلوم الاجتماعية وكليات علوم الحاسب الالي وكليات الهندسة في جامعاتنا السعودية, لتكثيف الدراسات والابحاث الخاصة بانتشار هذه التقنيات ونشر ثقافة استخدامها حسب الاصول التي صنعت واستحدثت من اجلها. من ناحية اخرى مواكبة استخدام كل ما استجد فيها من تقنية على المستوى المحلي او الخليجي او حتى العالمي لتنشئة اجيال لا نخاف عليهم من التطور التقني لانهم يتعاملون معه وبه, بل يجيدون ذلك. ان مجرد توجيه الابحاث العلمية لما يعود على المجتمع بالفائدة ويحاكي احتياجاته اليومية الآنية منها والمستقبلية, لهو نقطة التحول من مجتمع مستهلك الى مجتمع مشارك في التنمية والتطوير. ولا يخفى على الجميع ان المجتمع المتمتع بالسمة الاخيرة يثبت للاخرين دائما سمو ثقافتة. ولا شك انها بشرى خير لامة اراد الله لها ان تستجمع قواها مرة اخرى لتعود الى مقعد الريادة والقيادة من جديد من خلال تقنية الاتصالات والمعلومات ونظمها الحديثة المختلفة. الا ان هذا لن يتاتى بمجرد الكتابة عنه والتنويه في المذياع او التلفاز, او بالدعاء غير المقرون بالعمل الهادف. فليت اقلام المفكرين واساتذة الجامعات بالتعاون مع الوزارات والهيئات المعنية بجانب مراكز البحوث العامة والخاصة يتحدوا في رؤاهم وتوجهاتهم ليتم وضع خطط قريبة المدى واخرى متوسطة وبعيدة المدى نتمكن بها من نشر التقنية واستخدامها المأمون ومواجهة كل ما يستحدث فيها من حسن و سيئ.

هذا لن يقلل من اهمية الحضور القوي للمجتمع في كل مناسبة ونشاط. فاذا ما تجاوب المجتمع لانجاح خطة التطوير هذه فان تسارع استخدام الحاسب في كافة الاجهزة الحكومية التعليمية منها والخدمية, والقطاع الخاص بالاضافة للبيت (الهدف الاساسي) سيغير ملامح العمل وادائه بشكل جذري ويحتم على جهات كثيرة من تغيير انظمتها للوصول الى المستوى الذي وصل اليه المستخدم والمستفيد. فالحكومة الالكترونية بكل عناصرها ومكوناتها القوية مثل الصحة الالكترونية والتعليم الالكتروني والتجارة الالكترونية ستاخذنا الى مصاف الدول الصناعية والمتقدمة بل قد نزاحمهم على مقاعد المقدمة بعقول وسواعد ابنائنا وبناتنا. هذا يعني ان شريحة ابداعية مبتكرة من نفس بيئتنا محلية كانت ام خارجية عربية او اسلامية ستبرز وسيعول عليها تامين وتحصين مستقبلنا المعلوماتي والتقني ايضا. ولكن مالم يحدد التوجه الاساسي الذي سيضع لبنات النظام الوطني الاساسي للمعلومات, فان تنظيم وضع المعلومات وتقنيتها سيبقي المواطن في دائرة التنفيذ وتلقي الاوامر بدون الاشتراك او حتى الاطلاع على ما سيكون مصيره فيه سواء على المستوى القريب او البعيد, وبالتالي سيؤول الى اللاوعي المعلوماتي في معظم الامور. وهذا في حد ذاته يحتاج الى تكريس جهود كافة المختصين والمسئولين عن تقنية المعلومات لتفاديه في عصر قوته تكمن في حجم مالدينا من معلومات وكيفية الاستفادة منها للصالح العام وبامكانات وقدرات الجميع. ولئلا نكون متشائمين كالامس فنحن نرجوا ان يوضح لنا كيف لنا ان نكون متفائلين اليوم وغداً؟. نسال الله ان يجعلنا ممن علمهم من واسع علمه, واتاهم من حكمته, وعزهم بقدرته, واعانهم وحماهم من شرور انفسهم بفضله ومِنته, وهداهم للحق فهو الحق وصاحب الفضل والمنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى