رؤية نحو تطوير مجتمع المعلومات الخليجي

معالي الأستاذ/ فيصل المعمر ; مستشار خادم الحرمين الشريفين، والمشرف العام على مكتبة الملك عبدالعزيز العامة ;

الصفحات: 10 - 13

 

مع قدوم القرن الحادي والعشرين نحا الاقتصاد العالمي أكثر فأكثر نحو اقتصاد المعرفة، والذي يعتمد اعتماداً أساسي على تقنيات المعلومات والاتصالات، والتي تتطور كل يوم تطورات سريعة ومتلاحقة، ومن المؤكد كما يرصد ذلك المحللون أن أثر هذه التقنيات سيكون أوسع بكثير من أثر الثروة الصناعية الذي ظهر واضحاً على وجه الخصوص في المجتمعات الغربية.

وباتجاه العالم نحو اقتصاد المعرفة، أصبحت السلع المعرفية أو سلع المعلومات من السلع المهمة جداً، وبدورها ساعدت تقنية المعلومات والاتصالات على نمو هذا الإقتصاد المعرفي .

فالثورة الرقمية التي أثرت في الإقتصاد والمجتمع لم تنته بعد، إذ بعد الانتشار السريع لكل الوسائط الرقمية الجديدة، ينتظر العالم بأسره التطورات الجديدة لهذه التقانات، وما سيليها، وكيف ستتلاقي مع تقانات الإعلام الرقمي حاملة معها حزمات جديدة من الخدمات الترفيهية، والتواصلية، والمعرفية، والإعلامية، وستفرض عليهم هذه الثورات المتلاحقة تغييرات عديدة، ليس فقط في الإقتصاد بل في الوعي الاجتماعي، والتواصل والتفاعل مع العالم بأسره.

سنتحدث في هذه المقالة عن رؤية نحو تطوير مجتمع المعلومات الخليجي، فالعالم يشهد تطورات تقنية ومعرفية سريعة ومتلاحقة بدأت في تغيير خارطة النظام العالمي الجديد، إذ أصبحت القدرة على التنافس بين الدول التي تعتمد على مدى فعالية توظيفها لرأس المال البشري كعنصر إنتاجي رئيس وتحويله إلى عنصر مبدع يبتكر ويعزز المزايا التنافسية لها، ومن هنا ظهرت الحاجة إلى سرعة تطوير مسار المجتمع المعرفي في دول الخليج العربية حتى لا تجد نفسه منعزلة عن بقية دول العالم، لا تستطيع الاندماج في منظومته ولا تملك القدرة على مجاراة تيار المنافسة الاقتصادية العالمية.

ولا يسع دول الخليج العربي أن تخطو ببطء في تطوير مجتمعاتها واقتصادياتها معرفياً بل عليها أن تسعى إلى القفز لتحقيق ذلك، نظراً للإتساع المتزايد للفجوة بينها وبين بقية الدول التي سبقتها في هذا المجال.

وما يساعدها في تحقيق هذه القفزة المطلوبة توافر العديد من البرامج والمؤسسات والبنية التحتية والتي يتطلب بعضها إعادة التفعيل، لتسهم في بناء المجتمع المعرفي، كما يساعد تبني دول الخليج العربي لهذا النهج المعرفي في الاستفادة من القدرات والعقول العالمية من أجل المساهمة في تشكيل المجتمع المعرفي العالمي، وجعل هذه الدول مراكز عالمية لرأس المال المعرفي.

إن مجتمع المعلومات الخليجي يواجهه مجموعة من التحديات والتهديدات، والتي تفرض عليها لزاماً التوجه بصورة عاجلة إلى بناء المجتمع المعرفي، ويمكن تخليص أهم هذه التحديات من خلال التالي:

  • تقلبات أسعار النفط: إن تقلبات أسعار النفط تتطلب خياراً حكومياً لضمان استقرار الإيرادات النفطية ومواجهة تقلبات أسعار النفط العالمية، فاعتمادنا الكامل على إيراداتنا النفطية في ظل نمو هائل في عدد السكان، يجعل من غير الممكن أن تكون الموارد المتوافرة بعد نضوب النفط قادرة على مواكبة احتياجاتنا بأي مستوى مقبول، ما يحتم الإسراع في تحقيق تنويع أفضل للاقتصاد الخليجي من خلال التحول إلى مجتمع المعلومات وبناء هذا الاقتصاد ليكون اقتصاداً قائماً على المعرفة، يستفيد من المزايا النسبية، ليحقق مزيداً من القيمة المضافة لمختلف قطاعاته.
  • تنامي معدلات البطالة في دول الخليج: يمثل تزايد معدلات البطالة في دول الخليج العربي تهديداً حقيقاً خاصة وأن التركيبة السكانية الشابة فيها تشير إلى توقع دخول أعداد كبيرة من الشباب الخليجي إلى سوق العمل، ما يعني ضرورة توفير فرص وظيفية كافية لاستيعاب هذه الأعداد الأمر الذي يتطلب تحقيق معدلات نمو اقتصادي تفوق أو على الأقل مساوية لمعدلات النمو السنوية للشباب الداخلين إلى سوق العمل، كما أن التركيز على قطاعات الخدمات ومن بينها، قطاع تقنية المعلومات والقطاعات الأخرى المرتبطة بالمعرفة يوفر أحجاماً متزايدة من الفرص الوظيفية المطلوبة، كونها تعتمد على العمالة عنصراً إنتاجياً رئيساً.
  • قصور الأنظمة والقوانين: إن هناك حاجة خليجية بل وعربية أيضاً للتعاون سوية من أجل توفير الصكوك القانونية العربية التي تتلاءم مع ظروف وواقع الدول العربية وذلك من أجل ترشيد المحيط القانوني بما يتماشى مع خصوصيات مجتمع الاتصال والمعلومات وعولمة الاقتصاديات الوطنية، والخصوصيات الخليجية والعربية من ناحية أخرى، مع إعطاء الأهمية المناسبة لما يسمى بأخلاقيات الاتصال، إذ إنه بات من المؤكد أن مجتمع المعلومات بتجهيزاته وشبكاته ومحتواها والمنخرطين به لا يمكن أن يشكل فرصة لنقلة نوعية تسهم في تقدم وتطور الأفراد والجماعات اقتصادياً وتقنيا واجتماعياً إلا إذا مكنت من خلال الأخلاقيات والأدبيات والقوانين من حرية الجميع في الوصول والولوج إلى الأفكار والمعارف، واستعمالها لتطوير الذكاء الفردي والجماعي والمواهب والكفاءات الفردية والجماعية مساهمة في رفع المستوى المعرفي والعيش للمجتمع.
  • نقص المهارات بين الخليجيين: ويمكن التغلب على هذه المعضلة بتفعيل العملية التربوية والتعليمية بمكوناتها المختلفة في السنوات المقبلة يمكن أن يكون له أثر ملموس على الارتقاء بالمستوى العلمي للخريجين بل أعتقد أن هذا هو أهم بعد في تصحيح الخلل الحالي في العملية التعليمية وبعد ذلك يمكن الاستفادة من التجارب المشتركة ووضع سياسات توطينية جادة إلى آخره من وسائل التطوير الممكنة .
  • عدم الاستغلال الكامل للموارد البشرية والطبيعية: رأس المال المادي والموارد الطبيعية رغم أهميتهما وضرورتهما إلا أنهما بدون العنصر البشري الكفء والمدرب والمعد إعداداً جيداً لن يكون لها قيمة، فهو ضروري لتوفير رأس المال واستغلال الموارد الطبيعية وخلق الأسواق القيام بعمليات التبادل التجاري، ما يدفع المجتمع إلى وضع مسألة تنمية الموارد البشرية في مقدمة أولوياته في أثناء القيام بعملية التخطيط، وذلك باعتبارها من أهم العوامل التي تسهم في الإسراع بعملية مجتمع المعلومات، فالاستثمار الأمثل سيكون استثمار العقول والكفايات البشرية خاصة في الدول النامية التي تحتاج بشدة إلى هذا النوع من الاستثمار حتى يمكنها استخدام مواردها المتاحة بأقصى كفاءة اقتصادية ممكنة .
  • وجود منطقة الخليج تحت المجهر والرقابة الدولية: تتزايد حدة الاضطرابات التي تعيشها منطقتنا بشكل غير مسبوق، يدفع إلى ضرورة تعامل مجتمع المعلومات الخليجي بطريقة تدفعه لأن يكون أكثر وعياً وتفكيراُ وتعليماُ وإنتاجية ويستطيع في ظل مستوى معيشة أفضل أن يتعايش مع مختلف الأزمات الإقليمية، بعدم اختراقه والمزيد من التماسك والوحدة الوطنية.
  • التوجه العالمي لتسريع تطوير تقنيات مصادر الطاقة البديلة: الاستفادة من التطورات التقنية في مجال مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة تساعد دول الخليج العربي لتكون رائداً في هذا المجال، خاصة في ظل توافر بعض العناصر الرئيسة لبعض مصادر الطاقة، مثل الطاقة الشمسية.
  • تنامي الحوكمة والعولمة الاقتصادية: يشكل تنامي العولمة تحدياً لما يتطلبه الانفتاح من إصلاحات داخلية وتغييرات في الأنظمة القائمة وبقاء دول الخليج تحت المجهر والرقابة الدولية تحقيقاً للشفافية اللازمة في التعامل مع الآخرين وإعادة هيكلة مختلف القطاعات الاقتصادية فيها لتتمكن من مواجهة المنافسة العالمية المقبلة.
  • تسارع التغييرات التقنية العالمية: يشهد العالم الصناعي تطورات متلاحقة في تقنية المعلومات ووسائل الاتصال بطريقة يستحيل معها الاستفادة منها قبل أية دولة إذا لم تجهز مجتمعها لسرعة استيعابها وتوفير التجهيزات الأساسية اللازمة لنقل هذه التقنيات والتأقلم معها.
  • ظهور قوى عظمى اقتصادياً مثل (الصين، الهند…): يتوقع أن يكون القرن الواحد والعشرون هو القرن الآسيوي، فالصين والهند متوقع لهما ريادة القارة الآسيوية بل ريادة العالم في غضون العقود القادمة فصعودهما بين القوتين سوف يؤدي إلى تغيير الخريطة الجيوسياسية وتأثيرات عالمية، ويرجع صعود القوتين إلى عدة أسباب متضافرة مثل النمو الاقتصادي المذهل والتوسع الملحوظ في القدرات العسكرية والعدد الهائل من السكان، حيث تنبأ معظم الإحصاءات والتقارير بأنه في عام 2020 سيتجاوز إجمالي الناتج القومي للصين إجمالي الناتج القومي للقوى الاقتصادية الغربية منفردة، ماعدا أمريكا.
  • تسارع التغييرات العالمية في أنظمة التعليم: الأمر الذي يحتم على دول الخليج العربي أن تسابق الزمن وتضاعف الجهد، حتى تدخل في زمرة من لهم فرصة البقاء بين الأقوياء، وحق الانتساب لهذه الصفوة، والانخراط في العالم المتقدم بالجهد والعزيمة والإصرار، واستيعاب آليات التقدم بإحداث نقلة نوعية للحياة في منطقة الخليج، وهذا لن يأتي إلا من خلال التعليم المتميز الذي يعد مفتاح تنمية المصادر البشرية في الخليج بل في الوطن العربي؛ فالتعليم يمثل جوهر الاستراتيجيات الوطنية الكبرى لدول العالم المتقدم، لدوره الملموس في العمليات التنموية الشاملة بل وإسهاماته الحقيقية في تحقيق أمن واستقرار الشعوب وبالتالي تقدمها، فالعلاقة بين التعليم والتنمية علاقة وطيدة حيث يمثل التعليم أهم روافد تنمية المصادر البشرية ورفع مستويات تدريبها خصوصاً بعد التغييرات والتحولات العالمية في ظل القرن الحادي والعشرين.
  • تنامي دور المؤسسات العالمية للمجتمع المدني: أظهرت التجارب والدراسات أن مؤسسات المجتمع المدني يمكن أن تضطلع بدور مهم ومؤثر من خلال المشاركة في العمل في مجالات وسياسات كانت تقوم بها المنظمات الحكومية.

ولبناء مجتمع المعلومات المتكامل عالمياً ليحقق تنمية مستدامة من خلال بناء ثروة بشرية مبدعة وبيئة تقنية حديثة والرقي بالمجتمع الخليجي، يجب تحقيق ما يلي:

  • أن تكون دول الخليج العربية قبلة العالم في مجال تقنيات وعلوم النفط والبتر وكيماويات والطاقة البديلة والمياه.
  • تكثيف الجهود للوصول إلى مجتمع معرفي منتج للتقنية ومطور لها بما لا يتعارض والقيم والثقافة السائدة ومكانة منطقة الخليج العالمية.
  • أن تكون منطقة الخليج العربي منطقة جذب للعقول والطاقات الإبداعية من داخلها وخارجها.
  • تنويع القاعدة الاقتصادية مع التركيز على المجالات الواعدة مثل: الصناعات التحويلية وخاصة الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة ومشتقاتها، وصناعات التعدين والسياحة وتقنية المعلومات.
  • تحسين إنتاجية الاقتصاد الخليجي، وتعزيز قدراته التنافسية وتهيئته للتعامل بمرونة وكفاية أكبر مع المتغيرات والمستجدات الاقتصادية على الأصعدة الإقليمية والدولية.

 

وسعياً لإيجاد مبادرات لتفعيل بناء مجتمع المعلومات الخليجي يجدر بنا أن نعمل على ما يلي:

  • العمل على الارتقاء بمنظومة التعليم، وربطها بمتطلبات التنمية عن طريق إجراء إصلاحات واسعة في نظام التعليم بمراحله كافة بما في ذلك تعميم اللامركزية والتركيز على جودة مخرجاته كمعيار أساس وفتح التعليم للقطاع الخاص المحلي والدولي، وإعادة التأهيل والتدريب وصولاً لتضييق الفجوة القائمة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل.
  • إنشاء عدد من المدن الاقتصادية الجديدة لتصبح مدن معرفية نواة لجذب الصناعات المعرفية ومراكز الابتكار، وتحويل بعض القرى والهجر إلى قرى ذكية، وتعميم التجربة بعد نجاحها، إضافة إلى دعم مراكز الأحياء بمختلف مدن وقرى دول الخليج لتساند تنفيذ برامج المعرفة.
  • توفير الإطار القانوني والمالي اللازم لاستقطاب واحتضان الكفاءات وتشجيعها على الإبداع والتفوق للأفراد والمؤسسات، وبناء شراكات محلية وعالمية في مجال الابتكار.
  • تفعيل دور المؤسسات التربوية لرعاية الموهوبين لتشمل المستويات العلمية كافة، وتوفير الدعم المادي والمعنوي اللازم لتشجيع إنتاجية الموهوبين.
  • العمل على تحقيق الاستفادة المثلى من المزايا النسبية التي تمتلكها دول الخليج كجزء أساس من عملية تطوير المجتمع المعرفي بما في ذلك على سبيل المثال: الاستفادة من مكانة دول الخليج الدينية وموقعها الجغرافي المميز وثرواتها الطبيعية مثل: النفط والغاز والثروة المعدنية وإيجاد نظام وطني للابتكار.
  • العمل على تقديم الحوافز للشركات الكبرى الوطنية والأجنبية العاملة في دول الخليج للاستثمار في تطوير التقنية والبحث العلمي وتشجيع قيام شراكات بين القطاع الخاص وبين الجامعات ومراكز الأبحاث الخليجية.

 

وفي النهاية لا بد من التأكيد على أن بناء وتعزيز مجتمع المعلومات الخليجي يتطلب بالدرجة الأولى توافر مجموعة أساسية من الإرادات والأفعال والإنجازات:

  • الأولى: إرادات سياسية وتربوية واجتماعية واقتصادية وثقافية بهدف إحداث تطويرات عميقة تجعل من التعليم قاطرة التقدم نحو هذا المجتمع المنشود.
  • الثانية: القدرة على الفعل، والفعل هو انعكاس لتلك الإرادات ومجسدة لها، فالعمل هو الذي يرى ويظهر وليس مجرد الأقوال، قال تعالى: ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ) (التوبة: 105)، وذلك لأن العمل هو الذي يبقى وببقائه نمتلك القدرة على البقاء والمنافسة.
  • الثالثة: القدرة على الإنجاز الذي يظهر المستوى الكيفي والنوعي لذلك العمل، لأن العبرة ليس بكثرة العمل وغنما بنوعيته وصلاحه وإصلاحه.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى