تطور قواعد المعلومات الببليوجرافية

د. علي بن شويش الشويش ; قسم دراسات المعلومات ; كلية علوم الحاسب والمعلومات ; جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ;

الصفحات: 30 - 33

 

إن المتتبع لتاريخ تطور قواعد المعلومات الببليوجرافية يجد أن التقنيات المعلوماتية التي تعاقبت عليها قد أثرت عليها من عدة نواحي سواء في شكلها المادي أو إمكاناتها البحثية والإسترجاعية، أو طريقة إتاحتها، أو طريقة تحديثها، أو نوعية مخرجاتها وغير ذلك. وبالإمكان تقسيم المراحل التي مرت بها هذه القواعد، اعتمادا على النواحي سابقة الذكر، إلى أربع مراحل:

  1. مرحلة الكشافات والببليوجرافيات المطبوعة.

وهذه المرحلة دامت طويلا إلى أن بدأت شركات ومؤسسات المعلومات استخدام الحاسب وتقنياته في إنتاج تلك القواعد. وهذا لا يعني بالضرورة أن تلك الجهات قد توقفت عن إنتاج الكشافات والببليوجرافيات المطبوعة، بل إن بعضها لازال يصدر بالشكل المطبوع والمحسب معا إلى اليوم. ومن اشهر أمثلة ذلك، “مستخلصات الرسائل الجامعية ، Dissertation Abstracts” وكذلك ” الكتب المتاحة في السوق ، Books In Print” و “ايرك ، ERIC” والذي يكافئ ” Current Index to Journals in Education” و “انسبك، INSPEC” والذي يكافئ “The INSPEC Science Bibliographic Abstracts series” وأخيرا “مدلاين ، MEDLINE ” والذي يكافئ “Index Medicus”.

 

وقد اعترى هذه المرحلة، إذا ما قورنت بالمراحل اللاحقة، بعض أوجه القصور، ومنها: صعوبة البحث  النسبي وخصوصا إذا استلزم البحث استخدام عدة مجلدات ومحدودية المداخل البحثية (مؤلف، عنوان، موضوع) والإمكانيات الاسترجاعية، تأخر التحديث النسبي، وصعوبة استخدامها من قبل عدة أشخاص في وقت واحد، وغير ذلك.

 

  1. مرحلة القواعد الببليوجرافية المحسبة على الخط المباشر عبر خط التلفون والمودم.

وفي هذه المرحلة تم تحويل بيانات الكشافات والببليوجرافيات المطبوعة إلى شكل مقروء آليا بواسطة الحاسب (MARC) غالباً، كما تم تطوير البرمجيات اللازمة للاسترجاع. ثم أتيحت تلك القواعد على الخط المباشر عبر خطوط التلفون باستخدام أجهزة المودم.

 

وقد تميزت هذه المرحلة بعدة سمات نذكر منها: سهولة البحث النسبية  (المقصود هنا سهولتها مقارنة بمرحلة الكشافات والببليوجرافيات المطبوعة حيث تستغرق العملية وقتا اقصر بكثير من سابقتها وخصوصا إذا استلزم البحث استخدام عدة مجلدات، أما طريقة البحث نفسها فإنها نسبيا صعبة كما سيأتي ذكره) وإمكانية البحث في عدة سنوات مجتمعة أو خلال الفترة التي تغطيها القاعدة كاملة دفعة واحدة. يقول بيتر جاكسو (Jacso, 1998)  :  “بإمكانك اليوم أن تبحث لمدة عشر دقائق وتحصل على نتيجة مشابهة لما كنت تحصل علية في يوم أو يومين في عهد الكشافات والمستخلصات المطبوعة”.

 

بل أكثر من ذلك أصبح بالإمكان البحث في عدة قواعد مختلفة في وقت واحد، كما هو الحال في ديالوج (DIALOG) مثلا. كما استحدثت أساليب جديدة للاسترجاع مثل البحث البولياني والبتر والتجاور والتحديد (Limitation) ، وإضافة مداخل جديدة فشملت بذلك كامل التسجيلة الببليوجرافية مع المستخلص. كما تنوعت المخرجات فشملت العرض على الشاشة أو الطباعة على ورق أو الحفظ على قرص للاستخدام لاحقا. وأصبح التحديث يتم من قبل المنتج مباشرة بشكل أسرع.

 

ورغم هذه المميزات الكثيرة، برزت بعض السلبيات لهذه الفترة، منها على سبيل المثال: التكلفة الباهظة، حيث شملت ثلاثة أنواع من الرسوم: رسوم الاشتراك السنوية، ورسوم الدخول على القواعد (لكل دقيقة اتصال)، وهذه تدفع للشركة المنتجة أو الموزعة للقواعد، وأخيرا رسوم الهاتف والتي تدفع لشركة الهاتف المحلية مقابل استخدام خط الهاتف للاتصال بتلك القواعد. وتجدر الإشارة هنا إلى أن المكتبات ومراكز المعلومات غالبا ما تكون بعيدة عن تلك الشركات وهذا يستلزم ذلك أن تكون المكالمات من مدينة لأخرى أو من دولة لأخرى وبذلك تضطر لدفع رسوم مكالمات داخلية (إقليمية) أو دولية وهذا يكلفها الكثير جدا.

 

ومن السلبيات أيضاً صعوبة طريقة البحث في تلك القواعد حيث لم يكن غالبية الباحثين في ذلك الوقت قد تآلفوا مع أجهزة الحاسب وأتقنوا استخدامها بعدْ. ويضاف إلى ذلك أن طرق البحث في القواعد في ذلك الوقت كانت جديدة على المستخدمين، كما أنها هي في ذاتها صعبة نسبيا حيث اعتمدت على واجهة الأوامر التفاعلية Command Line Interface (CLI) والتي تدخل فيها الأوامر وتنفذ عن طريق محث الأوامر (Command Prompt). ومن اشهر أمثلة ذلك نظام الاسترجاع في قواعد ديالوج التقليدي (DIALOG CLASSIC) والذي لازال يستخدم تلك الواجهة (CLI).

ولقد حاولت المكتبات ومراكز المعلومات التخفيف من اثر السلبيتين السابقتين – ارتفاع تكلفة البحث وصعوبة الاستخدام- بطريقتين مختلفتين:

 

  • تعيين أخصائي معلومات متمرس يقوم بالبحث في القواعد بدلا عن الباحثين وذلك لتقليل وقت الاتصال قدر الإمكان، وقد استلزم ذلك في كثير من الأحيان عمل استراتيجية البحث قبل الاتصال (Offline) ثم تنفيذها لاحقا.

 

  • عقد دورات تدريبية قصيرة للباحثين الذين يرغبون في استخدام القواعد بأنفسهم. حيث يتدربون على المهارات الأساسية للبحث في القواعد. ومن ثم يسمح لهم باستخدام القواعد مباشرة.

 

وقد كان لهاتين الطريقتين اثر كبير في زيادة استخدام هذه القواعد وفاعليتها في خدمة الباحثين وتوفير التكاليف على المكتبات ومراكز المعلومات.

 

  1. مرحلة القواعد الببليوجرافية على الأقراص المدمجة.

في هذه المرحلة تم تخزين بيانات القواعد في المرحلة السابقة على الأقراص المدمجة (CD-ROM) وإتاحتها في الأسواق كبديل عن القواعد على الخط المباشر. وقد اعتمدت القواعد في بداية هذه المرحلة على نظم استرجاع ذات واجهات تفاعلية مشابهة لتلك التي كانت في المرحلة السابقة، ويرجع السبب في ذلك إلى أن نظام التشغيل السائد في ذلك الوقت كان نظام دوس  (DOS) المبني أساسا على واجهة الأوامر التفاعلية (CLI). بعد ذلك تطورت هذه النظم وصدر منها أنظمة استرجاع تعتمد واجهة المستخدم الرسومية التفاعلية (نظام النوافذ التي تظهر على الشاشة لتيسر للمستخدمين التعامل مع الحاسب، والتي تستخدم نظام الأيقونات والقوائم المنسدلة والنقر بالفارة بدلا من إدخال الأوامر بكتابتها عن طريق لوحة المفاتيح، مثل نظام تشغيل الماكنتوش ونظام الويندوز من مايكروسوفت) لنظام الويندوز والماكنتوش وغيرها.

 

وأما إيجابيات هذه المرحلة فنذكر منها: انخفاض التكلفة بشكل كبير مقارنة بالمرحلة السابقة،حيث تلاشى النوعين الأخيرين من الرسوم سابقة الذكر، وأصبح بإمكان المكتبات استخدام القواعد بشكل مفتوح دون الحاجة إلى دفع أي رسوم سوى رسوم الاشتراك السنوية. وقد زاد هذا من

إقبال المكتبات ومراكز المعلومات على هذا النوع من القواعد وإتاحتها للرواد بشكل اكبر، وبذلك الِفَ الباحثون استخدامها والتعامل معها وخصوصا مع ظهور الإصدارات ذات الواجهات الرسومية سهلة الاستخدام. ومن المميزات أيضا إمكانية إتاحة تلك القواعد على الشبكات المحلية (LAN) حيث يتيح ذلك استخدامها من قبل عدة مستخدمين في وقت واحد، كما يمكن الوصول إليها عن بعد بواسطة الشبكة المحلية أو ربطها بشبكات اكبر أو الاتصال بها عبر المودم باستخدام برامج خاصة بذلك (باستخدام بروتوكول تلنت غاليا).  في هذه المرحلة أيضا بدأت بعض القواعد بإتاحة النصوص الكاملة لمقالات الدوريات مثل قاعدة ABI/INFORM. وقد أدت هذه التقنية الجديدة إلى خفض التكاليف بشكل كبير، وصل في بعض المكتبات السعودية إلى 82% (علي ، 1994).

 

أما أهم السلبيات فقد تمثلت في الحاجة إلى إنشاء شبكة محلية خاصة بهذه القواعد وذلك حتى يتسنى استخدامها من قبل عدة أشخاص في وقت واحد، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الشبكات المحلية لم تكن قد انتشرت في المكتبات بعد، فاحتاج الكثير من المكتبات إلى إنشاء شبكات صغيرة خاصة بهذه القواعد. والمشكلة هنا تكمن في قلة المتخصصين في صيانة الشبكات في ذلك الوقت (أواخر الثمانينات وبداية التسعينات)، حيث عاصر ذلك الوقت البداية الفعلية لانتشار تقنية الشبكات المحلية (LAN). وقد عانى الكثير من المكتبات من تعطل الشبكات في كثير من الأوقات أو توقف اتصال أحد الأجهزة المربوطة بالشبكة فجأة أو عدم عمل البرامج الخاصة بالقواعد على أحد الأجهزة أو غير ذلك من الأعطال التقنية البسيطة ولكنها في كثير من الأحيان تأخذ وقتا طويلا لإصلاحها خصوصا مع عدم وجود إحصائي شبكات مقيم في المكتبة. فقد كانت الصيانة تتم في الغالب عبر شركات خارجية ترسل مندوب الصيانة عند الحاجة فقط.

 

أما السلبية الثانية فقد كانت تأخر التحديث، حيث يتطلب ذلك إصدار نسخة جديدة محدثه من القاعدة في فترات منتظمة (فصلي مثلا) ثم إرسالها إلى المكتبات المشتركة حيث تستبدل بها النسخ القديمة. وبمقارنة هذا مع المرحلة السابقة فان التحديث كان فوريا من قبل المنتج مباشرة.

 

  1. مرحلة القواعد الببليوجرافية المباشرة عبر الإنترنت.

وهذه هي المرحلة الأخيرة التي نعاصرها الآن، وهذا لا يعني أن المراحل السابقة قد انتهت ولم تعد تقنياتها مستخدمة الآن، بل على العكس لازالت كلها موجودة ومستخدمة، ولكنها تقل تدريجيا مع مرور الأيام. هذه المرحلة تعتمد على الإنترنت كوسيلة اتصال بين المنتج والمكتبات المشتركة، حيث تتيح تلك الشركات قواعدها على موقعها على الشبكة وتضع عليها بعض القيود بحيث لا يسمح بالدخول إليها إلا للمشتركين فقط.

 

وقد تشاركت هذه المرحلة مع المرحلة السابقة في الكثير من المميزات، مثل سهولة الاستخدام وطريقة البحث وإمكانياته المتعددة، سرعة التحديث، إمكانية البحث في عدة قواعد مختلفة دفعة واحدة، وغيرها. وتميزت عن المراحل السابقة ببعض الأمور منها، استغلال إمكانيات وتقنيات النسيج العنكبوتي للإنترنت web مثل النصوص المتشعبة hypertext والروابط وإرسال النتائج عبر البريد الإلكتروني، وغيرها. كما تميزت بكونها متاحة عبر الإنترنت وذلك يتيح أمرا آخر مهم جدا وهو توسيع خدمات المكتبة خارج حدود جدرانها، حيث يستعمل الكثير من الرواد الإنترنت في مكاتبهم ومنازلهم، و بذلك يمكنهم الدخول إلى تلك القواعد من هناك.

وهناك ميزة كبيرة لهذه المرحلة والتي يمكن اعتبارها مرحلة خامسة مستقلة بحد ذاتها وخصوصا مع التقنيات الجديدة للويب 2، وهي إتاحة النصوص الكاملة للبحوث والمقالات. ولك أن تتخيل رائد المكتبة وهو في بيته يبحث في القواعد ثم يقوم بتنـزيل النصوص الكاملة للمقالات والوثائق التي يريد إلى حاسبه الشخصي دون الحاجة إلى الذهاب إلى المكتبة.  وتجدر الإشارة هنا إلى أن بعض الشركات طبقت مؤخرا فكرة جديدة، وهي ربط التسجيلات الببليوجرافية للوثائق بمواقع المجلات التي نشرت بها للحصول على النصوص الكاملة لها بدلا من إعادة طباعتها أو تخزينها على هيئة صور (PDF). أضف إلى ذلك أن إتاحتها عبر الإنترنت يعفي المكتبات من صيانة القواعد أو تحديثها.

وأما السلبيات فقليلة، منها الحاجة إلى ربط المكتبة بالإنترنت وهذا يحتاج إلى دفع تكاليف دورية لشركة الاتصالات أو من مزودي الخدمة، وهذه في حقيقة الأمر رغم كونها مصاريف إضافية إلى أنها قد تعد حسنة وذلك أنها تشجع المكتبات على الاتصال بالإنترنت والاستفادة من خدماتها، و هذا مع التقدم الحالي أصبح من الدعائم الضرورية لخدمات المكتبات. كما أن من سلبياتها كذلك ارتفاع التكلفة النسبي.

 

المراجع

 

علي، إسامة السيد محمود (1994). استخدام الأقراص المدمجة في بعض المكتبات السعودية: دراسة لتأثير الأقراص على تكوين المجموعات وخدمة البحث على الخط المباشر. مجلة المكتبات والمعلومات العربية، س 14، ع3/4 ، يوليو/أكتوبر. ص ص 35-53.

 

Jacso, Peter (1998). CD-ROM databases with full-page images. Computers in Libraries, 18 (2), Feb, pp33.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى