الورق والانترنت عناق الماضي بالمستقبل

رؤية نقدية موثقة

بقلم / محمـد مكـاوي ; amrmekawy@yahoo.com ; كاتب متخصص ; دار الكتب والوثائق القومية المصرية ; ;

الصفحات: 28 - 34

 

تتناثر هذه الايام أفكارا عشوائية جمة كلها تدور في فلك الصراع بين الوعاء الورقي المطبوع : كتابا، دورية، تقريرا، اطروحة، موسوعة ، مجلة …الخ  وبين الانترنت أوالنظير الاليكتروني ، بين القلم وبين لوحة المفاتيح ، أو بين الورق وبين الاسطوانات المدمجة ، وما أراني الا أسكب مزيدا من الماء لتهدئة نار الشجار الذي نشب بين مؤيدي الوعاء المطبوع وبين معارضية ، بين المؤيدون لاستمرار الدور البيني للكلمة المطبوعة التي رفع رايتها الكتاب الورقي طيلة عدة قرون سحيقة ضاربة جذوره في التاريخ الفكري والثقافي وبين أؤلك الذين يبشرون بافوله وقيادة الوعاء الالكتروني في ثوبة الجديد الذي تربع على عرش الانترنت.

منذ اكثر من خسمة عشرة عاما حذر فيلسوف علم المعلومات العالم المصري الدكتور حسني الشيمي والمستشار الاعلامي بجامعة الدول العربية من تدني مؤشرات الاتجاه نحو الكتاب الورقي واشار في كتابة “اللاورقية او الكتاب الورقي بين الزوال والبقاء” في بداية التسعينات الى ان اللهث وراء عصر التكنولوجيا الرقمية دون التشبع او التفهم لعصر الكتاب الورقي فسوف ننحدر الى الوقوع في مأزق “الامية المعلوماتية” Information Illiteracy  التي تبرهن على افول العصر الورقي.

المشاجرة التي توهجت وتأججت في الاونة الاخير رغم كل مبشرات أفول العصر الورقي وبزوغ مفهوم المجتمع اللاورقي ( Paperless society ) لا تقوم على الموضوعية والحيدة وتنافي سلسلة الانجازات التي حققها الوعاء (الكتاب) الورقي على مدى تاريخه العريق ، كما تنافي تماما الارقام التي سجلتها مؤسسات العالم المعنية بشؤون الكتاب ، بيد ان هذه الانجازات مازالت تنمو بشكل متضاعف ، الامر الذي أشار الى استشراف مكانة الكتاب الورقي محل العقل والفكر والتحليل.

 

(1)

نظـرة للخلف

الرأي الذي يبشر بافول العصر الورقي يستند في هجومه الى وجهة نظره المنطقية ظاهريا على الأقل، ففي بادئ الامر أخذ الناشرون والوارقون ومن لف لفيفهم من المرعوبين على القيم والأخلاق الحميدة المتوارثة، بعقد المقارنات بين الكتاب المنسوخ بخط اليد الذي يصنعه الوراقون وبين الكتاب المطبوع ، منتصرين للأول متمسحين برائحة حبر الخط المكتوب الذي لا يوجد في الكتاب المطبوع ، والخط العربي الجميل من كوفي وأندلسي ورقعي وغيره ، يذكرنا هذا الهجوم العاتي الذي تعرض له الكتاب المطبوع من قبل وراقي الزمن الغابر، بالهجوم الذي يتعرض له الكتاب الإلكتروني (E-Books) والكتابة الرقمية عموما من وراقي العصر الحاضر ..، ومن الطريف والمثير للدهشة أن نفس الحجج التي استخدمت في مهاجمة الكتاب المطبوع، تستخدم اليوم في مهاجمة الكتاب الإلكتروني والكتابة الرقمية عموما، ففي الكتاب الإلكتروني لا يمكن الإحساس برائحة الورق، ودفئه، وعطره ، وأين هي تلك العلاقة الحميمة التي يوفرها الكتاب المطبوع وأنت تقرأه ، ويغيب عن بال هؤلاء وعقولهم أنّ الكتابة في العصر الرقمي الجديد تحتاج إلى وسيلة جديدة لاحتواء المعنى، وهذه الوسيلة يجب أنْ تأتي من داخل وسائل هذا العصر، فلا يمكن أنْ تعبّر عن معنى عصر ما من غير استخدام نفس وسائله، وهنا فإنّ النشر الرقمي سواء من خلال شبكة الانترنت أو الأقراص المدمجة أو الكتاب الإلكتروني هي الأقدر للتّعبير عن العصر الرقمي الذي نعيش فيه.

وكما كانت الكتابة على الحجر وسيلة التعبير عن معنى العصر الحجري، وكما كانت الكتابة على جلود الحيوانات هي وسيلة التعبير عن معنى العصر الرعوي، وكما اصبحت الكتابة باستخدام ورق البردى المأخوذ من شجر البردى وسيلة التعبير عن معنى العصر الزراعي، وكما كان الكتاب الورقي المصنوع وسيلة التعبير عن العصر الصناعي، فإنّ النشر الرقمي بطرقه المختلفة هو وسيلة التعبير المنطقية عن العصر الرقمي الذي نعيش فيه، لكل زمان طرقه ولكل زمان معناه ووسائله ، وسيتجاور الكتاب المطبوع مع الكتاب الإلكتروني مدة يسيرة من الزمن لن تتجاوز العشرين عاما أخرى على أبعد تقدير، ثم بعد ذلك سيسود الكتاب الإلكتروني، وينتصر باعتباره ابن العصر الرقمي وحامل معناه أيضا.

صحيح أن فرصة النشر بالطريقة الالكترونية تنمو بطريقة مذهلة, وأن المبشرين بهذه الوسيلة يتوقعون إنتشارها سنة بعد أخرى ، والواضح ان مشاكل النشر المطبوع تكمن في ارتفاع تكاليف الورق والعمال والصناعة القائمة عليها, وان هذه العوائق الاقتصادية يمكن ان تكون سبباً او خطرا على حياة الكتاب لأمد طويل, في حين أن الكتاب هو اللبنة الفكرية للمدنية القديمة والحديثة. فهذا الاخير له من المزايا الملائمة ما يجعله افضل من أي وسيلة أخرى لتخزين المعلومات واسترجاعها, وأن هذا سوف يجعل من غير المحتمل التخلي عن الكتاب بسهولة. وتشير الإحصائيات الى ان صناعة الكتاب في التسعينيات لا تختلف عما كانت عليه في العقود السابقة, ما عدا سيادة المكينة او استخدام الآلة في نقل المعلومات. ومع أن بعض الناشرين خلال الخمسينيات كانوا يخافون حلول الجهاز المرئي وتغلبه على الكلمة المطبوعة وأن الحاسوب سوف يصبح موسوعة ومكتبة المستقبل, الا ان هذه المخاوف تراحعت بسبب.

  • انها اصبحت للكلمة المطبوعة بديلا من ان تأخذ مكانها, وأصبح الحاسوب أداة ذات قيمة في صف احرف المطابع وتنظيم البيانات لنشرها وفي الأعمال الأخرى المكتوبة جميعها,
  • باختراع الطباعة اعطت امكانات هائلة للكلمة المطبوعة

(2)

الكتاب… وصراع البقاء

ورغم كل هذه المعطيات الا ان الصراع بين الكتاب المطبوع ووسائل الاتصال الحديثة المختلفة يؤكد لنا ان العصر الآتي ليس هو عصر الكتاب التقليدي, ولكنه ايضا عصر استخدامه الالكتروني سيكون تصويرا وقراءة ومراجعة وحفظاً. فهل ينفع في هذا السياق ان نشير الى أن الصراع بين تقنية المعلومات الآن يذكرنا بالصراع الذي حدث في القرن الثاني عشر الميلادي بين البردي والرق والورق, وان ذلك الصراع انتهى لصالح الورق وادى الى خروج البردي والرق من مسرح المعلومات ليتربع الورق على المسرح حتى يومنا هذا.

اليوم يعتبر الكثير من تجار المعلومات والناشرين ان الإنترنت تشكل سوقاً اعلامية جديدة لبيع نسخ رقمية من كتب ومحتويات موجودة في السابق. وبعضهم لا يتنبأ بأي نهاية لصناعة الطباعة العريقة. ويشير الناشرون الى انه حتى أكثر المستخدمين شغفاً بالتكنولوجيا, يفضلون الكتب المطبوعة على النسخ الإلكترونية. فالكتاب الرقمي ليس الوسيلة الوحيدة او الاولى لاخراج الكتاب من جلده المطبوع. فالنصوص المحفوظة على أقراص مدمجة, والنصوص التي ترسل بواسطة شبكة الانترنت, وحتى المواقع الإلكترونية للصحف والمجلات, كلها تعتبر أشكالا أولية او بدائية هزت عرش الكلمة المطبوعة. ولكن الكتاب الرقمي قد يعتبر تتويجا لها, ولعل القاسم المشترك بين الكتب التي لاقت نجاحا بالشكل الرقمي هو أن القارئ أو المستهلك يحتاج اليها ليقرأ نصا صغير الحجم. وفي كثير من الاحيان فان هذا النوع من الكتب يتم تحديثه بشكل دوري, بالإضافة الى ذلك فان الكتب التي تنجح بالشكل الالكتروني غالباً ما تستخدم كمراجع, وهي ليست كتباً تقرأ من البداية الى النهاية. وربما لهذا السبب لاقت القواميس الإلكترونية نجاحاً لم تلاقه الكتب الورقية, ولا سيما الكتب المدرسية والقصص والروايات. ورغم هذه المعطيات والعوامل التي تصب في مصلحة الكتاب المطبوع, إلا أن الأسئلة تظل مفتوحة حول ما سيؤول إليه مصير هذا الأخير في المقبل من السنوات.

واذا كانت المعارض هي الرئة التي يتنفس من خلالها الناشرون, فان هذه الرئة كما عبر بعضهم ليست قادرة على تنقية الهواء باستمرار, فالمشاكل والهموم التي تعترض الناشرين لا تعد ولا تحصى, بعض هذه الهموم آني يمكن ان يحل بقليل من التعاون, وبعضها الآخر لا بد من تضافر جهود المعنيين في الوزارات المعنية لحلها ..‏

(3)

معوقات صناعة الكتاب …… رؤية عربية

الدكتور رؤوف هلال مدرس المعلومات بجامعة المنصورة (مصر) أختزل أسباب معوقات تسويق الكتاب العربي في دراسته في النقاط التالية:

1- عدم كفاية الإعلام عن الكتاب العربي . يعتبر الإعلام من أهم أدوات التسويق ، وعلى الرغم من ذلك لم يستغل لصالح صناعة الكتاب العربي سواء كان ذلك الإعلام ذاتيا ، أو رسميا :

2- عدم وجود شبكة من التعاون بين دور النشر العربية.هناك فجوة كبيرة بين الدول العربية في مجال النشر ، والفجوة المقصودة هنا هي فجوة الاتصال بين دور النشر العربية ، حتى هذا الوقت من الألفية الثالثة هناك كثير من دور النشر لا تعرف إنتاج بعضها البعض ، إذا استطاعت دور النشر أن تبني جسور اتصال بينها يمكن نشر الكتاب العربي في اكثر من دولة.

  • الاعتماد على العلاقات الشخصية والجهود الفردية في توزيع الكتاب العربي. يتسابق الناشرون العرب إلى الوصول لمختلف الجهات العربية الحكومية منها والخاصة ، بغرض توزيع كتبهم ، من خلال العلاقات الشخصية ، وعلى الرغم أن هذه الطريقة تعود بمكاسب كبيرة على الناشرين ، إلا أنها لا تحقق مبدأ تكافؤ الفرص بينهم.
  • تخطى حقوق الملكية الفكرية. واقصد بها هنا سرقة الكتب ، وإعادة طبعها في بلد أخر غير بلد النشر الأصلية ، وهذا قد يؤدي إلى عجز الناشر الأصلي في تسويق كتبه.
  • قلة عدد المكتبات ومراكز المعلومات العربية.على الرغم من أن معظم الدول تعمل على تحضر شعوبها و تنمية ثقافاتهم من خلال إنشاء المكتبات ، إلا انه مازال كثير من الدول العربية تشكو من قلة عدد المكتبات ومراكز المعلومات ، وخاصة في المناطق النائية .فهناك علاقة طردية بين أعداد المكتبات ، وأعداد الكتب المباعة
  • تدني ميزانيات كثير من المكتبات ومراكز المعلومات العربية تعاني معظم المكتبات العربية من تدني ميزانياتها المخصصة لعملية التزويد ، واصبح هناك صعوبة وإن لم يكن استحالة في كثير من الأحيان تمكن المكتبة من شراء معظم الإنتاج الفكري الذي يصدر في المنطقة العربية .
  • تدني دخل معظم الأسرة العربية. لقد أثر تدني دخل الفرد على الطلب على الكتاب العربي ، فالكتاب العربي في معظم الأحوال لا يتناسب ودخل الأسرة ، مما دعا بعض الدول من خلال بعض المؤسسات الثقافية العامة.
  • قلة الكتب العلمية المنشورة وزيادة الكتب في العلوم الاجتماعية.رغم حاجة الوطن العربي الماسة إلى الإنتاج الفكري في مجال العلوم البحتة والتطبيقية ، إلا أن ما ينشر في هذا الصدد ضئيل من الناحية العددية ، وضعيف من الناحية الكيفية ، فلقد أشارت أخر إحصائيات اليونسكو إلى أن إنتاجنا العربي في العلوم التطبيقية لا يتجاوز 10 % والبحتة 8% أي انهما معا يبلغان 18% من مجموع ما نشر علي الساحة العربية من كتب ، بينما بلغ مجموع ما نشر في هذين المجالين في روسيا 53% واليابان 30% وبريطانيا وفرنسا 27% والنرويج 25%.
  • الإخلال بجودة الطباعة. تفتقر كثير من الكتب العربية إلى المواصفات القياسية المطلوبة في عملية الطباعة ، فكثير من الكتب يقل وزن الورق فيها عن 70 جرام ، كما أن معظم أغلفتها تفتقر إلى الألوان ، كما لا يوجد لمعظم الكتب أغلفة مجلدة Hardcover ، إضافة إلى عدم وضوح الكتابة وبهتان الأحبار نتيجة لسؤ الأحبار المستخدمة …الخ ، وهذا كله له بالغ التأثير على عملية شراء الكتاب.
  • عدم وجود دور إيجابي لاتحاد الناشرين في تسويق الكتاب العربي ، وعلى الرغم من أن أهم أهداف الاتحاد هو دعم مهنة صناعة النشر، وتذليل كافة الصعوبات التي تقف حائل دون تسويق الكتاب العربي ، إلا أن الاتحاد قد أخفق في وضع بروتوكول تتفق عليه كل الدول يسمح بعملية التبادل التجاري للمطبوعات بن الناشرين في مختلف الدول العربية ويحافظ في نفس الوقت على حقوق الناشرين .

 

 

 

 

(4)

مستقبل الكتاب في عيون الغرب

يودورا ويلتي الروائية الأميركية تحيلنا الى رأي اخر وتقول «لا أستطيع أن أتذكر لحظة في حياتي لم أكن فيها مشغوفة بالكتب؛ بها وبأغلفتها وشكل كعوبها وبالورق الذي طبعت عليه، وبرائحتها وثقلها بين ذراعي، بإحساسي بها وأنا أضمها». وتؤشر هذه العبارة على العلاقة الحميمة التي تقوم بين القراء والكتب التي يقرؤونها، وتفتح الباب على مصراعيه لتأمل ظاهرة اختفاء الكتاب في المستقبل في ما لو تم ذلك بتأثير عصر تكنولوجيا المعلومات وحلول الوسائط الجديدة لنقل المعلومات وتوفير المعرفة بديلاً عن الكتاب الورقي، والكلام مازال موصولا لويلتي : إن موت المكتبة الشخصية، برفوف الكتب وأدراجها التي تحتل حيزاً واسعاً من المكان، في البيت أو المكتب، هو أمر محتمل بالفعل، وليس مجرد خيال علمي وما تحتويه مكتبة ضخمة، من كتب ومجلات وصحف، يمكن نقله بسهولة إلى عدد قليل من الأقراص المدمجة؛ فالموسوعة البريطانية، مثلاً موجودة الآن في قرصين مدمجين اثنين، والأمر نفسه يصدق على موسوعات عدة تيسر الحصول على المعلومة بطرق أيسر بكثير من تصفح المجلدات التي يعلوها الغبار وتستلزم وقتاً أطول بكثير من الوقت الذي تتطلبه نقرة الإصبع على شاشة الحاسوب.

وفي ايطاليا رأيت المكتبات الوطنية (Bibliotica Nationalta ) لديهم مقسمة الى سبع مكتبات وطنية وهو تقسيم فريد في العالم ويرجع ذلك نظرا لظروفهم التاريخية والسياسية للبلاد ، فقد تخطت الاوعية التقليدية في أرصدة المكتبة هناك تسعة ملايين وعاء تقليدي ما بين كتاب ومخطوط ما بين دورية ولوحات ، والعجيب انه رغم استخدام كل وسائل التقنية الحديثة هناك انهم لم يلقوا بالادلة والفهارس الورقية في عرض البحر بل مازالت مستخدمه ، ومازادني دهشة هو رؤيتي للمخطوطات العربية في حماية لن تسطع اي دولة عربية توفيرها لها.

وفي مكتبة الكونجرس بامريكا وهي مصنع ومصدر التقنية المعلوماتية الحديثة لكوكب الارض فقد فاقت مقتنياتها التقليدية (الورقية) كل تخيلات البشر لان تعداد مقتنياتها سجل رقم واحد في العالم ، نعتقد ان الكلام عن زوال او بقاء المطبوع الورقي اولي به أصحابه ومخترعي هذه التقنية. فمنذ اكثر من 1400 عام مرت على المطبوع العربي الاسلامي تقلد فيها أرقى الاوسمة والتقدير كفيلة بان تحافظ على قيمة المطبوع الورقي.

 

 

(5)

مستقبل صناعة الكتاب : رؤية اسيوية

الإحصائيات الرسمية في الصين تشير إلى أن الصين، التي تفتخر بحضارة ثقافية نشأت قبل 5 آلاف عام، وبأنها البلد الأول في العالم الذي اكتشف الورق والطباعة قبل انتقالهما إلى الغرب عبر طريق الحرير، تطرح سنويا ما معدله 140 ألف عنوان باللغة الصينية. كما افاض الدكتور عبدالله المدني المتخصص في الشؤون الاسيوية الى انه يتضح من هذه الإحصائيات أن أسواق الكتاب في الصين مزدهرة، وتحقق أرباحا كبيرة للناشرين، بل أن قطاع صناعة الكتاب هو من بين اكبر ثلاثة قطاعات مربحة إلى جانب قطاعي العقارات و التعليم. أما لجهة تصدير الكتاب الصيني والعوائد المتحققة من ذلك، فتشير آخر الإحصائيات إلى أن البلاد صدرت في عام 2004 نحو 2.5 مليون كتاب بعائدات إجمالية بلغت 11 مليون دولار. غير أن هذه الأرقام الكبيرة تبدو صغيرة إذا ما قورنت بأرقام صناعة وتصدير الكتاب في الهند، بل تبدو جد متواضعة عند مقارنتها بصادرات الولايات المتحدة من الكتاب قبل عقد من هذا التاريخ أي في عام 1994 التي بلغت فيها حصيلة الأخيرة من هذه الصادرات 1.7 بليون دولار.

ولعل هذا ما يفسر لجؤ الكثيرين في الصين إلى العمل من تحت الأرض و ازدهار صناعة النشر السرية وتفشي السوق السوداء للكتاب. فعلى سبيل المثال توجد في العاصمة بكين وحدها نحو عشرة دور نشر سرية كبرى و الآلاف من المكتبات الصغيرة وعربات الكتب المتنقلة التي تعرض بأسعار رخيصة نسخا مزورة من كل أنواع الكتب الممنوعة القديمة والحديثة، من تلك الصادرة في هونغ كونغ أو تايوان أو الغرب، بما في ذلك الكتب الإباحية والمجلات الجنسية. أما في المدن الكبرى البعيدة عن سلطة المركز، فان العدد اكبر بطبيعة الحال.

(6)

الاندهاش من تقبل الوراقون للطباعة الحديثة واستيائهم من تقبلها ننبهكم بان التغيير لم يشمل الاستغناء عن الورق والحبر وان الامر المستحدث ما كان الا لزيادة رقعة انتشار الكتاب الورقي بيد ان الكتاب الورقي لم يكن منذ الاستعمار النابليوني فقد مر على الكتاب مايزيد عن اربعة عشر قرنا من الزمان لم ولن يتغير لون الكتاب ولا شكله ولا مذاقه ولا رونقه بل زاد تربعا على عرش اوعية المعلومات ولتقرأ ولتعلم ان الحديث عن مجتمع المعلومات المنشود حديث لا يقف عند حد التشاؤم او التفاؤل بقدر ما تبرهن عنه الارقام والحقائق ، فهناك من يرى ان الاستخدام التكنولوجي للمعلومات يبشر بمجتمع يعيش بلا ورق مطبوع أو مخطوط أو بعبارة أخرى يمهد لبزوغ مفهوم جديد للمجتمعات ، وهو المجتمع اللاورقي (paperless Society) مستدلين على ذلك بزيادة وانتشار الحاسب الالي ووسائل تكنولوجيا المعلومات ، وهذا ما قامت علية القمة العالمية لمجتمع المعلومات وأرسلت الدول الغربية منها والشرقية وفودها المتمثلين في وزارة الاتصالات فقط ، إلا ان للارقام رأي يثبت صحة ما نقدمه في هذا الصدد بخصوص سيطرة خدمات المعلومات التقليدية حتى على دول الشمال المتقدم ، صحيح أن الأنترنت بما هو ثقافة بُني من فراغ، ومستعملو هذا الوسيط في الوقت الراهن، وفي كافة بقاع الأرض يُشكلون الجيل الأول من المستخدمين، ستليهم أجيال أخرى لن تبق بالضرورة أسيرة ما نفعله الآن بالشبكة وفيها، وقد تتخذ ما تخزنه الخوادم الآن عنا.

حالة الحراك الثقافي التي خلقتها المجلات الإلكترونية والمنتديات الرقمية العربية أمرٌ أكيد يستحيل إنكاره. وجه الحراك يتمثل في دخول الكتاب والباحثين العرب في كافة أرجاء المعمور في تواصل كثيف وواسع لم يفك العزلة عن المكرسين منهم ويضع إنتاجهم بين أيدي قراء العربية في القارات الخمس فحسب، بل وأتاح لأعداد كبيرة جدا ممن أقصتهم المصافي التقليدية (الورقية) – عدلا أوظلما – من حقل التداول الورقي إلى إيصال كتاباتهم وأصواتهم إلى القراء على قدم المساواة مع الأوائل، فكان أن سطعت أسماء إبداعية وفكرية لم تملك موطئ قدم في المشهد الثقافي الورقي..

الموروث في سائر الأحوال موجود، نصيب الأسد فيه للتراث، والفضل فيه يرجع إلى السلفيين الذين بنوا صروحا شامخة في العالم الافتراضي لا نظير لها في أي موقع من المواقع الحكومية العربية نفسها. فالموسوعة الشاملة، مثلا، رقمت لحد الآن أزيد من 3300 مصنفا من الكتب التراثية، وضعتها مجانا بين أيدي القراء.. مقابل ذلك، باستثناء موقع اتحاد الكتاب العرب، وبعض المبادرات الفردية، كموقع الوراق، يمكن القول بألا شيء يُذكر الآن على صعيد ترقيم الإنتاج الفكري والإبداعي العربي الحديث والمعاصر..

(7)

وفــاق أم فـراق

أما مسألة المراهنة، فالقطاع الوحيد الذي يجب التركيز عليه هو نشر الثقافة الرقمية في العالم العربي وتمكين جميع المواطنين العرب من اقتناء حواسيب والاتصال بالشبكة باعتبار الرقمية باتت فرصة ثمينة موضوعة الآن بين يدي بلدان الجنوب لردم الفجوة التي تفصلهم عن الشمال.

والسؤال : هل سيعاد الاعتبار يوما للكتاب الورقي والمجلة الورقية بعد هذه الهجمة الكاسحة للنشر عبر الانترنت؟ ، وتأتي الاجابة بأن الحديث عن «إعادة الاعتبار للكتاب الورقي» يوحي بوجود صراع بين النشر الورقي ونظيره الرقمي انتهى لصالح الأخير، بعد «حرب» انطلقت مع تخزين الملفات الكتابية في الأقراص المرنة، مرورا بالمُدمَجة، و«انتهاء» بالشبكة. أضع الانتهاء بين مزدوجتين لأن النشرَ نفسه، بشقيه الورقي والرقمي، قد يكون مجرد حلقة في تاريخ طويل لن تكون الحالية آخرها بالضرورة : تاريخ التوثيق وتدبير المعلومات الضاربة جذوره في القدم؛ الحديث جار الآن عن إمكانية زرع شطائر بحجم حبة الأرز في الجسم البشري، تمكنه من «حفظ» موسوعة بحجم Encarta أو Universals دون حاجة للرجوع إليهما في سند خارجي…

ان استحضار تاريخ الكتاب، منذ ورق البردي، حيث كان يأخذ شكل رولو، مرورا باكتشاف الجلد والورق، حيث أخذ شكل كتلة محفوظة بين دفتين، ما يُصطلح عليه بالـ «كوديكس»، و«انتهاء» بظهور مطبعة جتنبرغ، هذا الاستحضار يُتيح الوقوف على أنه كان بحثا متأنيا للوصول إلى شكل وحدها الرقمية بوسعها الآن إمداده بمقومات الوجود وكان ذلك  البحث يسير في خط مواز مع اتساع شريحة المتعلمين والقراء والكتاب والعلماء في المجتمع البشري بما أدى إلى حصول ما يمكن نعته بـ «فوران» معرفي يحتاج إلى سند جديد للاستيعاب والبقاء وسرعة التداول  ، والبعض يرى ان الكتاب ورقيا كان أم إلكترونيا، آئل إلى الزوال باعتباره وعاء حضارة بكاملها تجنح الآن إلى الأفول، وصار يُصطلح عليها منذ بضع سنوات بـ «حضارة الكتاب»؛ الأول لاعتبارات بيئية على الأقل، والثاني لطبيعته الهجينة العائدة إلى استحالة إجراء قطيعة مفاجئة مع ممتلك ينحدر من آلاف السنين.

مما سبق، يصير بالإمكان تصور يوم يصير فيه نظر الإنسان للكتاب الورقي كنظره الآن للألواح الطينية السومرية أو أوراق البردي الفرعونية

(8)

مؤشرات الارقام : تفاؤل لمستقبل حذر

لقد اشارات وسائل الاعلام المصرية إحصائية في عام 2005 ان عدد القراء (القراءة التلقيدية الورقية) في بريطانيا وصل الى 83% وهي الدول العظمى الممثل الشرعي لتقنية المعلومات وان هناك تزايد للمكتبات العامة بنسبة وصلت 4600 مكتبة عامة اما المكتبة الوطنية بالمملكة المتحدة فقد تخطت حاجز الـ 20 مليون كتاب وما يزيد الامر دهشة هو ان نسبة مبيعات الكتب في بريطانيا في نفس العام (2004) وصلت 6 مليارات جنيه استرليني. ولم تبتعد فرنسا فقد تردد على المكتبة الوطنية اكثر من مائة الف (100.000) مستفيد في الشهر ونشر في نفس العام 2004 ، 52 الف كتاب لتتخطى المكتبة الوطنية حاجز 13 مليون كتاب ، وفي العالم العربي تخطت دار الكتب القومية المصرية حاجز الاربع ملايين كتاب بعيدا عن عدد النسخ وعدد الاجزاء فضلا عن تخطي عدد المستفيدين من خدماتها والمترددين عليها عدد 150.000 مستفيد سنويا.

الشاهد ان : الكلمة المطبوعة لم تجد منافس بل مساعد ومؤازر لصداها ، لا ليطمث معالمها ، لان تقنيات النشر والكلمة المقروءة آليا قد سارعت في بناء المطبوع الورقي لا أن تقف حائلا أمامه فالاثنين وعاء المعرفة وهذا ما اشرنا اليه ، وهو ما نرحب به وما نهدف اليه، اما ان يحل الوعاء المقروء آليا ((software مكان(hardware)  الوعاء المطبوع فهذا مالا تؤكده دول الشمال صاحبة حق الاختراع من خلال حفاظها الغير مسبوق على النظم التقليدية الورقية حتى كتابة هذه السطور.

كلمات بسيطة تبرهن افول هذا الرأي الذي يعتنق زوال الكلمة المطبوعة فليتتبعوا حصر الصحف اليومية ومدى الاقبال عليها فليوقفوا تدفق الكتب الحكومية المدرسية والتعليمية في كافة بلاد الشمال أولا فلتتوقف أنهار الدوريات العلمية المحكمة بكل أشكالها في شتى ربوع الارض ، وبالمناسبة فليتوقف رساموا العالم ومخططي الخطوط والدعاية والاعلان ، فليتوقف المهندسين عن إطلاق الخرائط والرسومات الورقية التي تئن بها الدنيا ولتبدا حكومات العالم في الغاء التعامل بالاوراق والمستندات والملفات والفواتير والشيكات.

  • هل استبدل العالم بالكلية خدمة البريد العادي بنظيره الاليكتروني ام ما زال استخدامه؟
  • هل هل استغنت الشعوب عن مواقع اعمالها وشركاتها … بمواقعها الانترنتية ؟
  • هل سيطر وتحكم العالم والامم والشعوب على أمن وأمان الشبكة العنكبوتية ؟
  • هل شارك العالم امريكا في الكعكة الشبكية للمعلومات (الانترنت)
  • والمجال مفتوح لطائل من الاسئلة المطروحة ، هذا ان حدث فسوف نقتنع منطقيا بافول العصر الورقي ..

والخلاصة : ومن خلال تلك المقالة نستطيع أن نجزم بان العصر الورقي والانترنت هو عناق الماضي بالمستقبل وهو ثمرة تلاقح أفكارالبشر ، أي لقاء الحضارات التي تصب في مصحلة الانسان.

 

المقال : يعبرعن وجهة نظر الكاتب ومدعوم بالمصادر المستعان بها في ثنايا النص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى