عين على المكتبة….عين على الإنترنت

حمير بن ناصر المحروقي ; مدرس بقسم علم المكتبات والمعلومات- جامعة السلطان قابوس ;

الصفحات: 17 - 23

 

 نشأة وتطور التسجيل

شهدت البشرية العديد من التطورات منذ أن بدأت عملية التوثيق، حيث أدرك الإنسان أهمية تسجيل أنشطته وإنجازاته كنوع من التخليد من جهه، وكطريقة للحفظ والنقل للأجيال القادمة من جهة أخرى. ومنذ ذلك الزمن تطورت وسائط حفظ المعلومات التي بدأت بالنقش على الصخور الثابتة، ثم تطورت ليتم استخدام الوسائط المنقولة مثل الألواح الطينية، ولفائف البردي، والجلود، وذلك حسبما توفره البيئة المحلية من خام يصلح للكتابة عليه.

وبمرور الوقت ظهرت الحاجة إلى مؤسسة تعنى بجمع وتنظيم وإتاحة المعلومات للراغبين في الاستفادة منها، حيث كانت عملية الحفظ قاصرة على الفلاسفة والباحثين، وذلك ضمن مقتنياتهم الشخصية، ثم أصبح للحكام اهتمام بحفظ مثل هذه التسجيلات، وبعد ذلك أصبح للمؤسسات الدينية دور في حفظ التسجيلات. ومع التطورات التي شهدت ظهور المؤسسات التعليمية وما صاحبها من نشؤ المكتبات، أصبح للمكتبات باختلاف أنواعها الدور الريادي في حفظ مصادر المعلومات المختلفة.

 

أهمية المعلومات

اكتسبت المعلومات أهميتها من طبيعة إسهامها في عملية التطوير؛ ذلك أن التطوير في كل مجالات الحياة مرتبط بالمعرفة، وان المعرفة ما هي إلا تلك المعلومات التي تم تفعيلها واستخدامها. وفيما يأتي بعض جوانب استخدامات المعلومات:

صنع واتخاذ القرار: يقوم كل منا بالبحث عن المعلومات بطريقة اعتيادية، فعلى سبيل المثال عند رغبتنا في شراء منتج معين كالسيارة، فإننا نجمع معلومات حول السعر، وتكلفة الصيانة الدورية، ومدى توفر قطع الغيار، وسعر إعادة البيع، واستهلاك الوقود. أو عند رغبتنا في الالتحاق ببرنامج دراسي معين، فإننا بالضرورة سنبحث عن إجابات للأسئلة المتعلقة بالرسوم، والمقررات، ونظام الدراسة، واحتياجات سوق العمل. والأمر يتكرر معنا في جميع أنشطتنا اليومية، وبالتالي نتمكن من اتخاذ القرار الملائم.

التعلم الذاتي: شهدت فلسفة التعليم العديد من التطورات، ولعل أبرزها هو أن الطالب أصبح باحثا عن المعلومات، وأن المدرس أصبح موجها ومرشدا بعد أن كان ملقنا، وذلك ينطبق على جميع مراحل التعليم، وإن كانت تطبيقاته أكثر بروزا في التعليم العالي.وبالتالي اكتست المعلومات أهمية بارزة لكونها تساعد على استيفاء متطلبات التعلم.

التطوير المهني: ليس بخاف على أحد التطورات التي تشهدها كل ميادين الحياة، وبالتالي فإن الجميع معني بمتابعتها، وان لا يكون بمعزل عما يشهده مجال عمله من تطورات، فالطبيب، والمهندس، والمزارع، ورجل الإطفاء، وغيرهم مطالبين باسترجاع المعلومات في مجال عملهم لمتابعة المستجدات.

الترفيه والثقافة العامة: يقبل معظم الناس في الدول الغربية على شراء الروايات والمصادر التي تتضمن المعلومات العامة، حيث أصبح ذلك من أبرز سماتهم. ولعل أهم ما يجنونه هو الإفادة من فترات الانتظار الطويلة في بناء رصيد إضافي من المعرفة.

كما أن هناك العديد من الدوافع التي أكسبت المعلومات أهمية بالغة على المستوى الشخصي والمؤسسي، مثل: مساندة المناهج الدراسية، والبحث العلمي.

 

تضخم الإنتاج الفكري

مع تطور التعليم، وزيادة موسساته، وتنوع البرامج التعليمية، صاحب ذلك زيادة الطلب على المعلومات، حيث بدأت المراكز البحثية في النمو والانتشار، ومن هنا بدأت سلسلة نمو الإنتاج الفكري؛ إذ أن أي عمل فكري مكتوب يبدأ بفكرة في ذهن الباحث، ومن ثم يقوم بتطويرها بالاعتماد على ما أنتجه الآخرون، بالإضافة إلى مشاركة الباحثين في نفس المجال بالأفكار، مما يؤدي إلى ظهور عمل جديد في سوق النشر.

وبدأ الإنتاج الفكري بالتضخم، وقد تجلت هذه الضخامة في العديد من الأبعاد، وهي:

  • التنوع العددي: إذ تعتبر صناعة النشر ثالث أكبر صناعة في حجم ما ينتج من مخرجات.
  • التنوع الموضوعي: إذ نتج عن تطور العملية البحثية ظهور علوم جديدة، كتلك المرتبطة بثورة المعلومات والاتصالات، أو العلوم الناشئة عن التقاء تخصصات قائمة.
  • التنوع الشكلي: مرت أشكال حفظ المعلومات بالعديد من التطورات، ونشهد اليوم عدد كبيرا من أشكال المصادر، منها ما ينقل النص والصورة، ومنها ما يضيف الصورة المتحركة، ومنها ما ينقل النص والصورة والصوت.
  • التنوع اللغوي: إذ بات ينشر بمختلف لغات العالم. فلكل لغة ناطقيها، ولكل لغة قراء.
  • التنوع الجغرافي: مع التطور الذي شهده العالم، بات كل إقليم جغرافي ينشر المعلومات، وقد أسهم ذلك بما لا يدع مجالا للشك على زيادة ونمو الإنتاج الفكري.

 

عين على المكتبة

يمر الإنسان بمراحل عمرية مختلفة، وفي كل مرحلة يلتقي بالمعلومات عبر أحد أنواع المكتبات. فإن أول علاقة تنشأ بين الإنسان والكتاب تكون في المكتبة الخاصة، أو ما يطلق عليه مكتبة المنزل. ثم يلتقي بالمكتبة المدرسية والمكتبة العامة، وبعدها المكتبة الأكاديمية، ويواصل مسيرة بحثه في المكتبات المتخصصة والوطنية. ولكل نوع من هذه المكتبات أهدافه التي تترجم إلى خدمات قائمة على مصادر في موضوعات معينة.

وقد أفرزت ضخامة الإنتاج الفكري وتنوعه عدم قدرة أي باحث باقتناء كل ما يحتاجه من المصادر؛ وذلك لأسباب تتمثل في صدوره من نطاقات جغرافية متباينة؛ وبالتالي عدم معرفة الباحث بالمستجدات في مجال اهتمامه، علاوة على آليات التواصل مع جهات النشر. بالإضافة إلى نمو أسعار مصادر المعلومات مما يقلل إمكانية الباحث في اقتناءها.

ومن هنا تعتبر المكتبة مؤسسة هامة للراغبين في امتلاك المعرفة، حيث تتميز بكونها المؤسسة المعنية بجمع وتنظيم المعلومات وتسهيل استرجاعها عبر الأنواع المختلفة من المصادر.

 

عين على الإنترنت

مع تزايد الطلب على المعلومات، وعجز المكتبات عن تلبية احتياجات القراء، وذلك لتنوع وتطور هذه الاحتياجات. كما أدت الطبيعة الخاصة للمكتبات في عالمنا العربي والمتمثلة في تواجدها المحدود خارج العواصم، وضعف مجموعاتها إلى اتجاه الباحثين نحو المصدر الجديد، يتجهون نحو الإنترنت.

فقد شهد العالم في العقد الأخير من القرن العشرين ظهور وتطور شبكة الإنترنت، وعنيت الموسسات البحثية بتطوير هذه الشبكة، حيث تنافست المؤسسات في تطوير أدوات البحث القادرة على جمع أكبر قدر من المعلومات في قواعد بياناتها، كما طورت من أساليب عرض المعلومات، مما يشكل عنصر جذب للمتصفحين.

أغرت الإنترنت ببريقها كل باحث عن المعلومة، وذلك لما تتميز به من إتاحة على مدار الساعة ومن أي مكان، بالإضافة إلى المميزات التي تنفرد بها المعلومات المتاحة بالشكل الإلكتروني.

 

المكتبة أم الإنترنت

يطرح البعض سؤالا قد يكون محيرا للكثيرين، وهو هل يمكن أن نعتبر الإنترنت مكتبة؟ وكمتخصصين فإن ردنا يكون بالإيجاب وبالنفي في الوقت ذاته!. أي أنه يمكن أن نعتبر الإنترنت مكتبة في حالة واحدة:

  • توفير مصادر المعلومات: ذلك أن الإنترنت توفر جميع أنواع المصادر التي تتيحها المكتبة، مثل: الكتب، والدوريات، والمواد السمعية والبصرية، والخرائط، وغيرها، وتكون إتاحتها بالشكل الإلكتروني.

 

كما أنه لا يمكن أن نعتبر الإنترنت مكتبة في الحالات الآتية:

  • انتقاء المصادر: ذلك أن اتخاذ قرار اقتناء أي مصدر ضمن مجموعات المكتبة يمر بمرحلة التقييم، حيث تتم دراسة احتياجات المستفيدين، ثم يتم اختيار المصادر التي تتلائم مع هذه الاحتياجات بموجب عدد من المعايير لضمان الدقة، والموثوقية، والحداثة، وغيرها من المعايير. غير أن الإنترنت ونظرا لعدم وجود جهة إشرافية فإن جزءا كبيرا من محتوياتها لا يخضع للتقييم قبل إتاحته للمتصفحين.
  • الترفيف: تعتمد أي مكتبة أحد الأنظمة المتبعة الدولية لإتاحة مقتنياتها، وبالتالي فإن استرجاع أي مصدر يكون سهلا، بينما لا تتبع مواقع الإنترنت آلية واحدة لعرض معلوماتها، وإنما يفترض بالمتصفح التعرف على طريقة تنظيم المعلومات في كل موقع يقوم بزيارته.
  • المساعدة: يستطيع المستفيد طلب المساعدة من أخصائي المراجع من أجل الحصول على المصادر المطبوعة أو غير المطبوعة والمتعلقة بموضوع بحثه، بينما لا تقدم الإنترنت هذه الخدمة بشكل مباشر.
  • الاستبعاد: تقوم المكتبات باستبعاد المصادر التي لم تعد ملائمة لاحتياجات المستفيدين، وبالتالي فإن المستفيد يتوقع أن تجدد المكتبة مقتنياتها، بخلاف الإنترنت التي تفاجئ المتصفح بضخامة عدد نتائج البحث المتأتية من تراكم المعلومات في قواعد بيانات أدوات البحث.
  • الأرشفة: تقوم المكتبات بحفظ رصيدها من المصادر، وبالتالي فإن استرجاعها من قبل المستفيد يكون سهلا، بخلاف الإنترنت الذي يشكل اختفاء المعلومات أبرز سلبياتها، فما كان موجودا بالأمس قد لا يضل في نفس مكانه غدا.

 

وبالتالي فإن المكتبة تتميز كمؤسسة ذات جهة تشرف عليها، وذات سياسة تتحد من خلالها أهدافها، وخدماتها وبرامجها تتميز عن الإنترنت.

إلا إن الإنترنت في المقابل تتميز بالعديد من الإمكانيات التي تجعل منها موردا مهما للمعلومات، مثل:

  • الإتاحة في أي زمان ومكان: حيث أن استخدامها ليس مرتبط بوقت معين، أو بالذهاب إلى مكان معين؛ إذ يمكن استرجاع المعلومات منها بمجرد توفر حاسوب به إمكانية الاتصال، كما أصبح تصفح الإنترنت متاحا عبر الهواتف النقالة.
  • الإنترنت أداة اتصال: علاوة على كون الإنترنت مصدر مهم للمعلومات بكافة أنواعها، فإنها تكتسي أهمية بالغة من كونها أداة للاتصال، إذ يمكن من خلالها للباحثين من تقاسم المعلومات، والاتصال فيما بينهم لمناقشة المسائل التي ذات العلاقة بمجالات اهتمامهم.
  • التفاعلية: إذ توفر العديد من قواعد البيانات خدمات جانبية للقارئ، مثل: إمكانية تسجيل الملاحظات أثناء القراءة، أو استقطاع جزء من النص، أو الحصول على رابط بقاموس إلكتروني. كما يوجد رابط للاتصال بمؤلف النص.
  • الترابط: ذلك أنه من خلال البحث في موقع معين ذا علاقة بمجال بحث المتصفح، فإنه يمكن الانتقال إلى صفحة أخرى من خلال الروابط المتوفرة على صفحات الإنترنت.
  • التشويق: حيث تتميز المعلومات المتاحة بشكل إلكتروني بالتشويق، ذلك أن التصفح والانتقال بين الروابط يحفز المتصفح للمزيد من البحث.
  • اللامحدودية: ذلك أنه يستطيع استخدام المصدر الإلكتروني أي عدد من الأفراد في نفس الوقت.

 

بالإضافة إلى ما تتميز به شبكة الإنترنت من كونها مورد يحتوي على المصادر التي تتناول مختلف الموضوعات التخصصية، والتثقيفية، والترفيهية في مكان واحد دون حاجة الباحث للانتقال لمكان آخر عند الرغبة في تنويع قراءاته.

 

الإنترنت في رعاية المكتبة

أدركت المكتبات أهمية الإنترنت، وسعت للإفادة منها كمصدر للمعلومات، وكأداة للاتصال. وتمثل استخدام الإنترنت كمصدر معلومات في المكتبة في الجوانب الآتية:

  • الاشتراك في قواعد البيانات المتاحة على الخط المباشر: فمن خلال هذه الخدمة تمكنت المكتبات من تقديم عدد كبير جدا من المصادر بمختلف أنواعها.
  • تقاسم المصادر مع مكتبات أخرى: إذ دخلت معظم المكتبات في اتفاقيات لتبادل المصادر، وخصوصا تلك المتاحة بالشكل الإلكتروني.
  • إتاحة المصادر المطبوعة بالشكل الرقمي: بدأت العديد من المكتبات بتحويل مصادرها المطبوعة إلى الصيغة الإلكترونية، وبالتالي يستطيع المستفيد استرجاعها بالاتصال بالإنترنت، دون الحاجة للذهاب إلى المكتبة.
  • مكتبة على الإنترنت: شهدت السنوات الأخيرة ظهور مكتبات على الإنترنت، مثل: المكتبات الإلكترونية، والمكتبات الرقمية، والمكتبات الافتراضية، والمكتبات بدون جدران. وتشير هذه التطبيقات في مجملها إلى استخدام الإنترنت كوسيط لحفظ ونقل المعلومات المختلفة.

الثقافة المعلوماتية هي الحل

يعتمد البناء المعرفي على المعلومات؛ فلا يمكن للباحث أن يقدم إضافة فكرية في أي تخصص كان ما لم ينهل من الإنتاج الفكري لمن سبقه.

أصبح سوق النشر بشقيه التقليدي والإلكتروني يحتضن عدد من مؤسسات النشر التي تفتقر للمعايير المهنية المتعلقة بنوعية المعلومات المنشورة، وبالتالي فإن احتمال تعرض الباحث لاقتناء مصادر ضعيفة الموثوقية قد يكون عاليا مع قلة امتلاك معايير تقييم مصادر المعلومات.

ومن هنا ظهر في السنوات الأخيرة ما يسمى بالثقافة المعلوماتية،  والتي تشير إلى المهارات اللازمة للتعامل مع المعلومات. فقد أصبح لزاما على أي باحث أن يمتلك عدد من المهارات التي تساعده على استرجاع أكثر المعلومات ملائمة لمجال بحثه بأقل وقت وجهد ممكن. وتتمثل هذه المهارات في:

  • الوصول إلى المعلوماتAccess : كثيرا ما يعاني البحث من الحرمان من المعلومات، ويعود ذلك إلى عدم معرفته بما ينشر في مجال اهتمامه. ولذلك فإن امتلاك الباحث لهذه المهارة يساعده على تقصي واسترجاع المعلومات من مصادرها المختلفة، وأبرزها أدوات الضبط الببليوجرافي المعنية بالتعريف بالإنتاج الفكري، وغيرها من الأدوات.
  • تقييم المعلومات Evaluate: تكتسي هذه المهارة قيمة عالية؛ ذلك أن الاستشهاد بعناوين ذات سمعة جيده يضاعف من قيمة أي إنتاج فكري. ويجدر بالباحث تقصي المعلومات التي تتميز بعد مواصفات، مثل: الموثوقية، والحداثة، والدقة، والموضوعية، وغيرها.
  • تنظيم المعلومات Organize: يعاني كثير من الباحثين من الغرق المعلوماتي، وينتج ذلك من ضخامة ما تم استرجاعه من معلومات، وتأتي أهمية هذه المهارة في تمكين الباحث من تنظيم المعلومات التي تم استرجاعها بما يحقق ملائمتها لكل عناصر وجزئيات البحث.
  • استخدام المعلومات Use: يعتقد بعض الباحثين أن استخدام جميع المعلومات التي تم استرجاعها يزيد بحثهم جودة وجاذبية، ولكن يجب فهم أمر مهم وهو أن الباحث عندما يريد مناقشة المسائل المتعلقة ببحثه إنما يقوم باستشارة المصادر الأخرى من أجل دعم أو دحض فكرة معينة، أو من أجل الانطلاق إلى أفكار أخرى. فليست من مهمة الباحث أن يعيد سرد أفكار الآخرين، وبالتالي فإن هذه المهارة تساعد الباحث على تحديد نطاق المعلومات التي يمكن استخدامها بحيث يكون وجودها مبررا.

وفي الختام، لا يمكن لأي باحث أن يعتمد على مصدر واحد للمعلومات، في وقت أصبحت المعرفة الموجودة في أذهان البشر تضاهي ما هو منشور في جنبات جميع أنواع وأشكال مصادر المعلومات. فما على الباحث إلا أن يسعى لامتلاك المعلومات التي تتصف بالجودة أيا كان شكل أو لغة المصدر المتاحة به. والمكتبة والإنترنت بما يقدمانه من معلومات متنوعة يمثلان عينان في جبين المعرفة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى