المكتبة العربية وعصر المعلومات
نظرا للتدفق الهائل للمعلومات، الناتج عن التطور المتسارع للأنظمة الرقمية والتكنولوجيا الافتراضية، فإن “العالم أصبح شاشة صغيرة” بعدما كان، بالأمس القريب جدا، قرية صغيرة. ونظرا للتطور السريع لوسائل الاتصال وأجهزة المعلومات الاليكترونية فإن الانترنيت أضحت “وسيطا معلوماتيا”، بامتياز، فرضت نفسها، على المجتمع العربي، إعلاميا واتصاليا بل ومعرفيا ، حتى إن مقاييس الزمن والمكان والمعلومة تتجه نحو خلق معايير جديدة تناسب “نسبية الزمكان الافتراضي” الذي ما فتئ يهجم على المجتمع العربي ليواكب متطلبات عصر المعلومات. و”المكتبة العربية” ليست بمنأى عن هذا كله ففي هذا الاطار عرفت بناية المكتبة المركزية الجديدة لجامعة القاهرة؛ بالجمهورية العربية المصرية؛ تنظيم فعاليات الملتقى العربي الرابع لتكنولوجيا المكتبات والمعلومات. وعلى مدار يومي 27 و 28 من شهر يوليوز من العالم الجاري 2010 / 1431 تمت مدارسة إشكالية تفاعل قطاع المكتبات والمعلومات مع التطور المتسارع لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات.
هذا وقد اختارت شبكة أخصائيي المكتبات والمعلومات، الجهة المنظمة للملتقى، شعار: الجيل الثاني للويب وتأثيره على قطاع المكتبات والمعلومات، محورا مركزيا لطرح جميع الجوانب المختلفة لتأثيرات الويب 2.0 على أعمال وخدمات القطاع المكتبي في العالم العربي.
طبيعة وخصائص الجيل الثاني للويب وقطاع المكتبات
تعددت التعاربف بخصوص الويب 2.0 ، غير أننا نخلص إلى أنه منهج حديث ومتجدد يسعى لدعم الاتصال بين مستخدمي الإنترنت، من جهة والرفع من مستوى تفاعل وتجاوب هؤلاء المستخدمين في إغناء المحتوى الاليكتروني على الشبكة العنكبوتية، شكلا ومضمونا، تعاونا ومشاركة في بناء مجتمعات إفتراضية متنوعة، بحيث تكون نقطة الارتكاز في مجمل هذه العمليات والأنشطة والتقنيات هي المستخدم أو المستفيد أو القارئ.
ومؤسسات المكتبات والمعلومات، بدورها، تحرص على توظيف تقنيات وخدمات الجيل الثاني للويب على أساس تلبية احتياجات مستفيديها، وتلبية حاجياتهم، من الخدمات المكتبية والوصول إلى مصادر المعلومات بالشكل الذي يحقق لهم إشباع رغباتهم واحتياجاتهم من الخدمات المكتبية لاكتساب العلوم والمعارف. إن تطوير الآليات المكتبية، وتجديد محتواها، شكلا ومضمونا، بموازاة مع استثمار تقنيات الجيل الثاني للويب، تلكم هي الانشغالات التي عكف عليها أخصائيو المكتبات والمعلومات خلال هذا الملتقى.
ومن بين الأهداف التي كان يرمي إليها المنظمون، الوقوف على خصائص الجدة في التطبيقات الرقمية التي يوفرها الويب 2.0 والآفاق التي تفتحها أمام المجتمع العربي عموما، ولمهنيي المكتبات والمعلومات على وجه الخصوص، وكذا مدى قدرة واستعداد المؤسسات المكتبية والمعلوماتية العربية للإنتقال إلى الجيل الثاني لهذا القطاع. وعلى واجهة أخرى وضع المشاركون نصب أعينهم طرح مختلف الآراء والخبرات والبحوث لبناء أرضية عربية فيما يختص بالجيل الثاني للويب والجيل الثاني لقطاع المكتبات والمعلومات. وتجاوبا مع هذه الاهتمامات فإن المدارسة العلمية انكبت على محاور ثلاث : اولاها يشمل التطرق إلى الجيل الثاني للويب ما بين المبادئ المنهجية والتطبيقات التكنولوجية، وثانيها ينحو نحو طرح الجيل الثاني لقطاع المكتبات ومراكز المعلومات بين المنهج النظري والتطبيق التقني إدارة وتنظيما، خدمة وتسويقا، فهرسة وتصنيفا، تكوينا وتدريبا، اقتصادا وتسييرا، وثالثها عرض لمختلف أوجه التجربة العربية على مستوى استخدام تقنيات الجيل الثاني للويب 2.0 في شتى المجالات المرتبطة بقطاع المكتبات.
مكتبات الجيل الثاني
وعلى اعتبار أن تفاعل قطاع المكتبات والمعلومات مع بيئة الويب جد سريع، وآني، لأنه أكثر المجالات المعرفية والعلمية تأثرا بمسجدات الانترنيت، كما انه مؤثر في هذه الأخيرة بشكل كبير، فإنه بالثالي نلاحظ آثار ذلك على بيئة العمل المكتبي على مستوى مبدأ مشاركة القارئ/ المستخدم وتفاعله الايجابي مع المحتوى الاليكتروني، وثانيا على مستوى توظيف الوسائط السمعية البصرية بالإضافة إلى الوسائط التقليدية. من جهة أخرى فإن خلق أي تشابك واشتراك اجتماعي على مستوى مهنيي المكتبات فيما بينهم من جهة، وعلى مستوى المستفيدين/المستخدمين فيما بينهم، من جهة ثانية، وكذا على مستوى المهنيين والقراء، من جهة ثالثة، سيكون له الأثر البالغ، خدمة، وتواصلا، وإبداعا، على مستوى التواصل الإفتراضي الخدماتي بين طرفي هذه المعادلة وهما المهنيون والقراء. وهناك بعد آخر يتمثل في إبراز نسبية الزمكان الافتراضي للمكتبة العربية في جيلها الثاني، حيث تسعى إلى تجاوزأسوار الحدود الكلاسيكية، للمكتبة، إلى الآفاق الرقمية غير المتناهية، وكل هذا يندرج ضمن تطبيق تكنولوجيا تفاعلية، وتعاونية، وتكنولوجيا الوسائط المتعددة على الإنترنت كبيئة عمل في خدمات المكتبات القائمة على الإنترنت، نظرا لما ذكرنا سابقا من أن قطاع المكتبات والمعلومات يعتبر من أكثر المجالات تأثراً بالإنترنت مما يجعل من الطبيعي أن ينحو مهني المكتبات والمعلومات، في إطار هذه البيئة الرقمية، نحو التأقلم مع بيئته الجديدة، ويجد نفسه أمام تحديات جمة تتطلب منه تجديد مؤهلاته العلمية ووسائله المهنية وقدراته المعرفية.
المكتبات… بين الثابت والمتغير
إن المكتبة لا زالت، في كل مراحل تطورها وتجددها، متمسكة بأساس واحد، وثابثة على ركيزة استراتيجية و مركزية واحدة والمتمثلة في خدمة غاية مثلى، ألا وهي دعم التربية بمفهومها الواسع، والذي يرتبط فيه التعليم بالتعلم وبالتنمية الذاتية للفرد، وللجماعة، وتأهيلهما معا لتحقيق متطلبات المجتمع.
والجدير بالذكر أن المقاصد الكبرى للتربية لا تخرج بأي حال من الأحوال عن مسارات أربع وهي: السعي نحو اكتساب المعارف، والعمل على التاقلم والمحيط المجتمعي، بالاضافة إلى السمو بالكفاءات الشخصية وتطوير المهارات الذاتية، ثم أخيرا تنمية وبناء الشخصية العصرية، لتواكب متطلبات السفر عبر بحر العولمة وأمواجه العاتية.
من هنا كان لزاما على قطاع المكتبات والمعلومات، في تفاعله مع التجديد المتسارع ” للتقنية”، أن يراعي ويحافظ على هذه الوجهة السامية، التي بها يحفظ ويحافظ على دوره ومساهمته في توحيد الرؤية المستقبلية لبلوغ، وبناء، مجتمع العلم والمعرفة… فهل ستبقى المكتبات عبر “أجيالها” اللاحقة،شكلا ومعنى، وفية لهذه الغاية الرسالية………