ارتباط الاقتصاد المعرفي بالبحث العلمي
المقدمة
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ (53) فصلت
(الحكمة ضالة المؤمن انى وجدها فهو أولى الناس بها) استحضارك لهذه المقولة يجعلك منفتحا بشكل أكبر على المصادر المتعددة للعلم والمعرفة فلا تحصر نفسك في إطار ضيق، ولا ترفض معلومة بصورة ذهنية مسبقة، فقد تجد ما يلهمك في ابسط الأشياء من حولك وكل خطوة تحمل عطايا للمتأملين. (شروق القويعي )
هذه المقولة للكاتبة شروق القويعي الهمتني وجعلتني أبحر في بديع خلق الله وكيف ان الانسان استطاع ان يطور معارفه ومهارته وادواته من خلال عملية البحث والاستكشاف التي تبدأ باستكشاف نفسه جيدا ليتعرف عن مداركة واهتماماته حتى ينطلق للعالم من حوله ليسافر في رحلة التنقيب عن المعرفة، ليتعلم مهارات جديده تعطية قيمة مضافة وترجمة هذه المهارات والأفكار الى معلومات نافعة تعود بالنفع عليه وعلى مجتمعة وبهذا تصبح العقول حاضنات للأفكار الملهمة. بعقول قادرة على قيادة الإبتكار فتعتصر علما ومعرفة وزخم معلوماتي لتولد فكرة وتصبح واقع وهنا يبرز مدى ارتباط المعرفة بالبحث العلمي.
ان البحث العلمي ليس محصورا على العلماء والمفكرين، بل هو أسلوب تفكير يحتاجه الانسان العادي لمواجهة مشكلاته والرد على اسئلته فالأنسان يحتاج الى ان يتعلم ويعرف كيف يطور أساليب حياته وعملة وزيادة دخلة وأفضل الطرق التي يتعلم فيها مأكله ومظهرة وتنظيم علاقاته وحاجاته النفسية، والصحية، والاجتماعية، والاقتصادية. الى ان يصل الى معلومات وحقائق سليمة وثابته وراسخة.
وقد تزايد الاهتمام بالبحث العلمي نتيجة لتزايد طموحات المجتمعات المختلفة في النمو والتقدم، وبدأت هذه المجتمعات بالبحث عن الأساليب العلمية لإيجاد الحلول لمشكلاتهم الى ان أصبحت الحاجة إلى البحث العلمي في وقتنا الحاضر أشد منها في أي وقت مضى، حيث أصبح العالم في سباق محموم للوصول إلى أكبر قدر من المعرفة الدقيقة المثمرة التي تكفل الراحة والرفاهية للإنسان وتضمن له التفوق على غيرة، وبعد أن أدركت الدول وخصوصا المتقدمة أهمية البحث العلمي وعظم الدور الذي يؤديه في التقدم والتنمية واساس مهم لبناء مجتمع المعرفة وتحقيق الاقتصاد المعرفي
يظهر جليا اهتمام حكومتنا الرشيدة بالبحث العلمي من خلال الحث والصرف بسخاء على البحث العلمي في الجامعات ومراكز البحث العلمي وكان اخر هذه الخطوات الموافقة على تشكيل اللجنة العليا للبحث والتطوير والابتكار وهي لجنة وطنية سعودية، شكلت في 9 مارس 2021، وتُعنى بتنمية قطاع البحث والتطوير والابتكار في السعودية، وترتبط بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ويرأسها رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية صاحب السمو الملكي ولي العهد حفظة الله الأمير محمد بن سلمان.
الاقتصاد المعرفي:
هو الاقتصاد القائم على الحصول على المعرفة والمشاركة فيها واستخدامها وتوظيفها وابتكارها بهدف تحسين نوعية الحياة بمجالاتها المختلفة. (درجة ممارسة الكفايات التعليمية لدى معلمي العلوم في المرحلة الأساسية في ضوء التوجهات القائمة على الاقتصاد المعرفي- موسى محمد الزعبي2007)
الأركان التي يعتمد عليها الاقتصاد المعرفي:
1.النظام المؤسسي: يعد النظام المؤسسي من أبرز اركان الاقتصاد المعرفي حيث تقع علية مسؤولية تنظيم الكوادر واستثمار المعرفة لدى الكوادر المتخصصة وتحفيزه لا خراج أفضل ما لديهم في خدمة العملية المؤسسية بناء على وجود المعرفة.
2.المتعلمون المتخصصون: ان هذه الفئة التي تسعى المؤسسات الي استقطابها من اجل تطوير كافة العمليات في القطاع المؤسسي وتوجيه طاقتهم بشكل إيجابي في خدمة المنظومة.
3.البنية التحتية: تشمل البنية التحتية كافة ما يمكن للمتعلمين استخدامه من اجل تحقيق اهداف الاقتصاد المعرفي.
4.أنظمة الابتكار : ويقصد بأنظمة الابتكار ما تحتوي علية الأوساط الاكاديمية القادرة على تقديم الفائدة لا ركان الاقتصاد المعرفي.
البحث العلمي:
هو عملية منظمة يقوم بها الباحث بهدف الإجابة على أسئلة محددة او حل مشكلة او الوصول الي معرفة جديدة وذلك من خلال مجموعة من الخطوات العلمية للوصول الى حل مشكلة البحث. (مهارات البحث ومصادر المعلومات التعليم الثانوي)
بدايات البحث وطرق الوصول للمعرفة:
لعل بداياته كانت الطرق القديمة للوصول للمعرفة حاول الانسان منذ بداية حياته على الأرض البحث عن تفسيرات للظواهر التى يعيش فيها وكانت خبرته محدودة وتفكيره محدود لعل أولها طرق المحاولة والخطاء كان الانسان ينسب الحوادث التى يعيش فيها الى الصدفة وكان يقبل الأشياء لأنها تحدث دون سبب وكانت وسيلته الى التكيف معها هي اولا المحاولة والخطاء عله يصل الى حل يزيل به الغموض او يفسر بواسطته الحوادث
ثانيا اللجوء الى السلطة كان الانسان البدائي يلجأ الي صاحب السلطة ليجد له الحلول ويفسر له الظواهر الغريبة كالمرض او البرق والمطر استنادا الى العادات والتقاليد. وكان الانسان يقبل ما يصل اليه من تفسيرات دون مناقشة على اعتبار ان أصحاب السلطة لا يخطئون.
ثالثا التفكير القياسي يقوم هذا التفكير على الانتقال من المقدمات الي النتائج فاذا قبل الشخص صحة المقدمة فأنه يقبل صحة النتائج.
رابعا التفكير الاستقرائي بعكس القياس والاستنتاج بالانتقال من الشواهد الجزئية الى الحكم الكلي.
خامسا الاستقراء الناقص حيث يكتفي الباحث بفحص عينة من الجزيئات لا كل الجزيئات لينتقل بعدها للحكم على الكل.
وقد تطور مفهوم البحث العلمي وأصبح له خطوات وإجراءات علمية واضحة ومحددة
لماذا البحث العلمي في التعليم:
- يقدم تحليلاً منهجيا لمشكلة تربوية وبطريقة منهجية مخطط لها
- يؤدي الي استنتاج ملاحظات مهمة من خلال مراقبة الحقائق والأرقام بعمق
- يعطي نتائج ونظريات مناسبة للعملية التعليمية
- تحسين الممارسات سواء كان طالبا او معلما
- يطور فهما جديدا متعلقا بالتعليم والتدريس
- يساعد في بدء الاجراء من خلال البحث في الأداء الجيد والتخلص من المشكلات
- يساعد في اتخاذ القرارات المناسبة
- يحقق الاتساق في العمل ينتهي العمل بتحليل عميق ومتكامل الي ان يكون صحيحا ودقيقا ومحددا ذو حقائق ثابتة
- يحفز الاخرين ويعلم الصبر لانها عملية طويلة تصل الى نتائج مثمرة
- دعم رؤية 2030 في التطوير والابتكار والبحث
- تعريف الطلبة بالبحث العلمي بأبسط صورة وتنمية مهاراتهم الأساسية كمهارة البحث والتحري ومن ثم التدرج في تفعيل التفكير الناقد عند طلبة المرحلة الابتدائية ودعمه بالأدلة والبراهين وكيفية تحليل المواضيع بشكل منطقي من خلال التجربة مثل مادة العلوم في الصف الرابع والخامس الابتدائي
- تدريب الطلبة في فصول الموهبة على البحث العلمي
- مسابقات النشاط الطلابي في الأبحاث العلمية
- وجود مراكز مصادر تعلم تدرب الطلبة على البحث في مصادر المعلومات المطبوعة والالكترونية
- المشروعات البحثية في المواد الدراسية وتخصصيها ضمن المهمات الادائية
- تدريس الطلبة مادة مهارات البحث ومصادر المعلومات (البرنامج الاختياري للمرحلة الثانوية)
- مادة البحث العلمي تعتبر متطلب أساسي في المرحلة الجامعية
- الانفاق بسخاء على البحث العلمي في الجامعات
- وجود مراكز بحثية في الجامعات
لماذا الاقتصاد المعرفي في التعليم:
لقد بدأت الدول تهتم بالبحث العلمي وتولية أهمية كبرى حيث ان الاقتصاد المعرفي يبدا من تطوير البحث العلمي، وتحقيقا لمفهوم الاقتصاد المعرفي في منظومة التعليم ومن اهم عناصر هذه المنظومة الموارد البشرية المؤهلة ذات المهارات التقنية العالية والتي يعتمد أبناؤها على نشر ثقافة الابداع والابتكار من خلال نظام تعليمي متين وفعال ذي مخرجات منسجمة مع متطلبات النمو العالمي، ولذلك وجب إعادة صياغة منظومة التعليم الحالية بما يلبي احتياجات التحول العالمي في بناء مجتمع اقتصادي معرفي متكامل يجعل التعليم اكثر ابداعا وفعالية.
لقد ادرك العالم ان مصير الأمم مرهون بأبداع وتنمية افراد مجتمعاتهم وان ميزان التحدي بين الدول المتطورة وغيرها هو الاستجابة لمشكلات التغيير ومتطلباته فتغيير النظام التعليمي هو المشكلة وهو الحل واذا بقي التعليم كما هو او كان التغيير من غير رؤية واقعية اصبح هناك مشكلة والعجز عن حلها سيؤدي الي الفشل والتخلف مهما توافرت المواد الطبيعية والمادية لذلك نجد ان عمليتي التنمية والتعليم تتداخلان الي حد يشبه الترادف ويصبح الاستثمار في مجال التعليم اكثر الاستثمارات عائدا وخصوصا بعد ان بلغت صناعة راس المال البشري قمة الهرم الاستثماري في العصر المعرفي بصفتها اهم صناعات عصر المعلومات على الاطلاق لذلك فان عملية البناء يجب ان تبدا من مرحلة رياض الأطفال التي من خلالها يتم تأسيس مهارات التفكير الناقد وأساليب البحث العلمي وغيرها من مهارات التواصل والعمل الجماعي وبالتالي يتم تخريج أجيال جديدة من الكوادر الوطنية المؤهلة والقادرة على تطوير الاقتصاد المعرفي وقيادته. (د. خلود قاسم- رئيس مجلس إدارة مجموعة القادة الدولية لإدارة المشاريع والتطوير والاستشارات الإدارية- المملكة العربية السعودية)
الذكاء الاصطناعي واقتصاد المعرفة
بناء الاقتصادات الحديثة على قاعدة البحوث العلمية، والابتكارات، والأفكار الخلاقة.
ان المعرفة أساس التنمية؛ ولا يمكن للدول والمجتمعات المضي في تطوير اقتصاداتها بمعزل عن روافد المعرفة؛ والإبداع والابتكار وهو المكونة للاقتصاد المعرفي.
أن رؤية 2030 اعتمدت التحول المعرفي والرقمي هدفا لها، وهو الهدف الأولي الذي يفترض أن يؤسس لقاعدة رقمية وعالم من البرمجيات والتكنلوجيا الحديثة، مع التركيز على الشباب وخلق منافسات عالمية محفزة للمبدعين والمبدعات، ومعززة للشراكة العالمية ونقل الخبرات والتواصل المعرفي.
ان قطاع التعليم من القطاعات المستهدفة بالتحول المعرفي الذي يتطلب إعادة تشكيل المناهج، وآليات ومدخلات التعليم عموما، والانتقال من التعليم التقليدي إلى التعليم الحديث الذي يركز على الثقافة الرقمية المعنية بمعالجة المعرفة، ويحفز الطلاب والطالبات على أن يكونوا أساس العملية التعليمية من خلال البحث والإبداع والابتكار. ما يحدث في قطاع التعليم من تطوير منهجي يبعث على التفاؤل بمستقبل واعد بإذن الله.
كشفت جائحة كورونا عن باكورة التحول الرقمي في قطاع التعليم، وهو جزء من إستراتيجية طموحة وشاملة لإحداث تحول نوعي في القطاع الذي يعتبر أساس التنمية البشرية والاقتصادية.
وبالعودة إلى أكبر شركات التكنلوجيا العالمية نجد أن نشأتها كانت على أيدي طُلاب مبدعين، ساهمت منظومتهم التعليمية في تزويدهم بالمعرفة وطرق البحث والابتكار، ما مكنهم من تحويل إبداعاتهم الفكرية ومخزونهم المعرفي إلى منتجات وشركات تستحوذ على قمة الشركات المدرجة عالميا. طريق الألف ميل يبدأ بخطوة. وجود الرؤية والطموح والعمل الجاد والقيادة الكفؤة سيقود المملكة نحو تحقيق أهدافها المستقبلية وفي مقدمتها التوسع في الاقتصاد المعرفي وتحقيق هدف التنوع الاقتصادي المأمول.
القمة العالمية للذكاء الاصطناعي التي عقدت في الرياض، بنسختها الأولى، وبرعاية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، من المؤتمرات التكنولوجية العالمية التي حرصت المملكة على احتضانها في سبيل تحقيق أهدافها المستقبلية ورؤيتها الطموحة، ورغبتها الصادقة في التحول المعرفي المنشود، وهو توجه لا يقتصر عليها فحسب، بل يتجاوزها نحو شعوب العالم أجمع، والدول النامية على وجه الخصوص. لذا عُقدت القمة تحت شعار «الذكاء الاصطناعي لخير البشرية»، وشدد ولي العهد في كلمته على أن المملكة «تسعى لأن تكون ملتقى رئيسياً للعالم؛ للشرق والغرب؛ وتحتضن الذكاء الاصطناعي وتسخّر قدراته وإمكاناته لخير الإنسانية جمعاء».
وللتأكيد على منهجية التحول المعرفي الذي التزمت به المملكة، تم إطلاق «الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي» وهي خارطة طريق نحو المستقبل.
الارتقاء بالأجيال القادمة يتطلب العمل على قاعدة التعليم الحديث، وضخ الاستثمارات النوعية، وخلق الشراكات العالمية في قطاع التكنلوجيا عموما، والبيانات والذكاء الاصطناعي، على وجه الخصوص، من أجل بناء اقتصادات المعرفة، المحققة للتنمية المستدامة. خلق منصة عالمية محققة للشراكة في المملكة، واعتماد الرياض، كوجهة عالمية لفعاليات الذكاء الاصطناعي سيسهم في رسم مستقبل الذكاء الاصطناعي، واستثماره لخير الشعوب وتنميتها وبناء اقتصادات الدول الأكثر حاجة للتطوير والتنمية.
عوداً على بدء، فالتعليم أساس التنمية والتحول، وقاعدة الاقتصاد المعرفي، ما يجعل من عمليات تطويره على أسس عالمية حديثة، ضرورة إستراتيجية وأولوية تتطلب الدعم التام من الحكومة، وتفهماً من المواطنين.
ومن منطلق الاهتمام بالبحث وتطوير الطلبة وتدريبهم على المهارات البحثية وتسخير الإمكانات لتطوير القدرات العقلية واستثمار رأس المال المعرفي وهو الاعتماد على الاقتصاد المعرفي بدلا من الاعتماد على رأس المال المادي لتحقيق قيمة حقيقة للمعلومات ابتكارية وإبداعية واستثمارها بأهداف اقتصاديه عائدها وريعها للمنظمة باعتبار مورد من مواردها
واتضح جليلا ارتباط الاقتصاد المعرفي في البحث العلمي خلال جائحة كوفيد 19
في استغلال رأس المال البشري لدراسات وابحاث تطويرية وتقديم نتائج ذات قيمة مثل لقاحات فايروس كوفيد 19 وعلى أثره تسخير الإمكانات المادية لصناعتة وتوفيره
والإزدهار الذي يحظى به التعليم السعودي حيث انتقل التعليم التقليدي الى التعليم الإلكتروني وتحول كثير من الوزارات للعمل عن بعد
ومن الممكن استغلال برامج النشاط الطلابي واندية الحي في مشاريع البحث والابتكار مع مساعدة الطلبة في التدريب وتسخير الإمكانات وتبنيها في حاضنات أعمال وعرضها على جهات الاهتمام بتلك المجالات
بذلك أصبح البحث العلمي مشروع يقدم منتج والمنتج ذو قيمة يضيف على المنظمة نقاط قوة واستقطاب ودعم الاستثمارات والتقنيات ذات القيمة المضافة التي تساهم في استشراف والريادة والاقتصاد المعرفي.
المراجع
درجة ممارسة الكفايات التعليمية لدى معلمي العلوم في المرحلة الأساسية في ضوء التوجهات القائمة على الاقتصاد المعرفي- موسى محمد الزعبي2007
الكتاب المدرسي مهارات البحث ومصادر المعلومات التعليم الثانوي.
البحث العلمي مفهومة/ ادواته/ أساليبه د. عبدالرحمن عدس د. ذوقان عبيدات د. كايد عبدالحق
فضل بن سعد البوعينين / جريدة الجزيرة 27 أكتوبر 2020
