حماية الأرشيف من الأخطار و الكوارث
يعتبر الأرشيف ذاكرة الأمة ومنبع حضارتها، فو ماضيها وحاضرها ومستقبلها، لذا وجب الحفاظ عليه وحمايته وصيانته لضمان الرجوع إليه مستقبلا سواء لإثبات حق أو لإجراء البحوث والدراسات، أو لاتخاذ القرارات الهامة في الدولة.
وهناك عدة مخاطر وكوارث يمكن أن يتعرض لها هذا الأرشيف سواء كانت طبيعية كالفيضانات أو غير طبيعية يمكن أن يتسبب فيها الإنسان كالحرائق، السرقة، الضياع والتلف، وغير ذلك.
ومن أجل مجابهة هذه المخاطر وحماية الأرشيف منها، وجب إتباع خطوات معينة من أجل ضمان حمايته والحفاظ عليه، إضافة إلى الحد من تلك المخاطر وفق مخططات تضعها الدولة تسير بموجبها، وهذا ما سنتحدث عنه في ورقتنا هذه .
تعريف الأرشيف :
يحدد القانون الجزائري تعريف الأرشيف على أنه تلك الوثائق التي تتضمن أخبارا مهما يكن تاريخها أو شكلها أو سندها المادي، أنتجها أو سلمها أي شخص طبيعيا كان أو معنويا أو أية مصلحة أو هيئة عمومية كانت أو خاصة أثناء ممارسة نشاطها. [1]
ويترتب على هذا التعريف عدة خصائص أهمها أن الأرشيف ليس مجرد وثائق قديمة، وإنما تعتبر الوثائق أرشيفا بمجرد إنشائها.
ويعرف كذلك على أنه تلك الوثائق التي تحفظ بقصد الرجوع إليها عند الحاجة لاستعمالها كحجة وبرهان في الدفاع وإثبات الحقوق، ومادة صلبة تعتمد عليها البحوث التاريخية، ومصدر إلهام في دراسة المشروعات الآنية.
يبين هذا التعـريف أهميـة حفظ الأرشيف كعملية أساسيـة يعتمد عليها من أجل استرجـاعه واستعماله لعدة أغراض.
حفظ الأرشيف :
ويتعلق هذا العنصر بضرورة توفير مجموعة من الإجراءات والاحتياطيات اللازمة لضمان حسن حفظ الوثائق بطريقة آمنة و سليمة، أهمها ما يلي:
- توفير محلات ملائمة للتخزين متوسطة الرطوبة والجفاف، وقد قامت المديرية العامة للأرشيف الوطني بوضع نموذج لبطاقة فنية خاصة بمركز أرشيف متوسط نوردها فيما يلي: [2]
|
- ضرورة توفير الرفوف المعدنية و الابتعاد عن الرفوف الخشبية .
- ضرورة توفير الأبواب الحديدية لمكاتب و مصالح الأرشيف .
- تعيين مسؤول دائم للقيام بمعالجة و حفظ الأرشيف .
أخطار الأرشيف :
هناك عدة أخطار وكوارث يمكن أن يتعرض لها الأرشيف، منها ما هو ناتج عن عوامل طبيعية تحدث فجأة، كما أنه هناك عوامل بيولوجية ، ومنها ما يحدث نتيجة لإهمال أو تهاون أو تكون غير مقصودة، إلا أنها تتسبب في تلف وضياع وثائق أرشيفية كان من الممكن الحفاظ عليها.
ويمكن هنا ذكر مختلف أنواع الأخطار والكوارث :
- الفيضانات :
وتعد من أكثر الأخطار التي تتسبب في مشاكل عظمى للوثائق، كونها ظاهرة من الظواهر الطبيعية والتي تحدث نتيجة زيادة منسوب المياه في الأنهار، حيث أنه كلما زادت سرعة جريان المياه كلما ازدادت كمية الفيضان والعكس صحيح .[3]
وهناك عدة عوامل مسببة للفيضانات، أهمها : تساقط الأمطار الغزيرة ولمدة طويلة، عدم وجود غطاء نباتي كافي في بعض المناطق، حدوث الأعاصير.
- الحرائق :
وهي ثاني عامل خطير يأتي بعد الفيضانات، حيث يتسبب في تلف الوثائق بسرعة كبيرة جدا، كما لا يمكن التحكم في صيانة الوثائق المحروقة كما هو الحال بالنسبة للفيضانات.
وتعتبر الحرائق تلك الظاهرة الكيميائية التي تحدث نتيجة اتحاد المادة المشتعلة بأكسجين الهواء مع عامل تأثير درجة حرارة معينة لكل مادة من المواد، وتختلف درجـة هذه الحرارة بالنسبة لكل مادة حيث تسمى ( نقطة الاشتعال )، ويتضح من ذلك أنه لكي يحدث حريق يجب أن تتوافـر ثلاثة عناصر هي الوقود والحرارة والأكسجين وهو ما يطلق عليه مثلث الاشتعال: [4]
فبالنسبة للعنصر الأول الممثل في الوقود، فيوجد إما في صورة مادة صلبة كالخشب والورق والقماش، وإما في صورة سائلة وشبه سائلة كالشحوم بمختلف أنواعها، الزيوت، والبنزين … إلخ. وإما في صورة غازية كغاز البوتان.
أما بالنسبة للعنصر الثاني الممثل في الحرارة، فتحدث نتيجة للشرارات الكهربائية، اللهب، الاحتكاك، أشعة الشمس، التفاعلات الكيميائية، …. الخ.
في حين أن العنصر الثالث الممثل في الأكسجين، فهو يتوافر في الهواء بنسبة 19 إلى 21 %.
كما يمكن كذلك تصنيف الحرائق وفق الأصناف التالية: [5]
* الصنف “A”، حريق المواد الجامدة = الأرشيف – الكتب – الخشب – النسيج – الفحم….
* الصنف “B”، حريق المواد الزيتية = زيت الوقود – مواد التزييت – بنزين – بترول – دهون…
* الصنف “C”، حريق الغازات = كل أنواع الغازات سواء أكانت مخزنة في القوارير وفي الأنابيب، أو تسربت في الهواء الطلق.
* الصنف “D”، حريق المعادن = ألمونيوم – ماغنيسيوم – بوتاسيوم.
* الصنف “E”، الحريق الناجم عن خلل كهربائي = أسلاك كهربائية غير محمية – آلات كهربائية مختلفة.
- العوامل البيولوجية :
وتتمثل هذه العوامل بصفة خاصة في القوارض والحشرات التي تتسبب في تلف الوثائق الأرشيفية وضياع أجزاء هامة من تلك الوثائق.
وتعد الفئران والجرذان من أشهر القوارض التي تصادف الأرشيفيين، كما يصعب السيـطرة عليها لأنها قـادرة على النخر في كتل الرماد والرصاص وأغطية الألمنيوم والخشب والبلاستيك والصخور.
ويعتبر الجرذ النرويجي (Rattu norvegicus) وجرذ السطح والجرذ الأسود (Rattus rattus) من أكثر الجرذان شيوعا، كما يعتبر فأر المنزل (Mus musculus) شائع كثيرا، ويصعب القضاء عليه.
حيث تتخذ هذه القوارض من الورق والوثائق أوكارا لها، كما تقوم بقضم أجزاء كبيرة منها.
أما بالنسبة للحشرات فهي كثيرة ومتنوعة، بحيث تتسبب في تلف الكثير من الوثائق الأرشيفية، وتنتشر معظم هذه الحشرات في جميع أنحاء العالم، يمكننا ذكر البعض منها على سبيل المثال لا على سبيل الحصر: [6]
- الحشرة الفضية أو السمكة الفضية :
حيث تفضل هذه الحشرة العيش في البيئة المظلمة الرطبة والظروف ما بين المعتدلة والدافئة، وتتغذى على سطح الورق، وعادةً ما يكون تمزق حواف الأوراق وترقيقها بسبب الحشرة الفضية وهي موجودة في كل مكان، كما أن شكلها الصغير المسطح يجعل من السهل عليها الاختباء داخل العلب الكرتونية والمواد الأخرى الموجودة بمراكز الأرشيف .
- الأرضة أو النمل الأبيض :
إذ يعتبر من أكثر الحشرات ضرراً إلى حد بعيد، ويتواجد بغزارة في المناطق الاستوائية، ويتسبب هذا الأخير في تلف كبير للوثائق .
وهنالك ثلاثة أنواع رئيسية من النمل الأبيض هي: نمل الخشب الجاف، ونمل الخشب الرطب، والنمل تحت الأرضي. ويلتهم النمل الأبيض المواد السليولوزية، بما في ذلك الخشب والورق وقماش الأغلفة وألواح التجليد الكرتونية.
- الخنافس :
هنالك ما يزيد على ربع مليون نوع من الخنافس، وبعض من هذه الخنافس تقوم بإتلاف الكتب والوثائق مباشرةً عن طريق أكل الورق ومواد التجليد، غير أن يرقاتها هي التي تسبب معظم التلف. وهنالك نوع من الخنافس اسمه dermestidae (خنفساء تختفي في السجاد)، وقد عُرف عنها أنها تُتلف الأغلفة الجلدية.
- الصراصير :
يبدو أن هذه الحشرات توجد في جميع أنحاء العالم، كما أنها حشرات عنيدة. وهناك 3500 نوعا من الصراصير، ويمكن تقسيمها إجمالا إلى أنواع منزلية تعيش على وجه الحصر داخل المباني، وأنواع خارجية تتغذى وتعيش بالخارج في الأقاليم الاستوائية، لكنها غالباً ما تنتقل للعيش بداخل المباني إذا كانت الظروف مواتيةً. والأنواع الأربعة التي ترتبط بتلف مواد المكتبات والأرشيف هي: الصرصار الأمريكي، والصرصار الأسترالي، والصرصار الشرقي، والصرصار الألماني.
وتتميز الأنواع الأربعة جميعها بفم ضخم ولديها ولع بالنشا، ولهذا يكون قماش الكتب والورق معرض لها على وجه الخصوص، ويمكن التعرف على التلف الذي تسببه الصراصير بالرقع الصغيرة المتعددة الموجودة على سطح قماش الكتب والوثائق —أحياناً تتهرأ إلى حد الخيوط— وحواف الورق الممزقة.
كما أنه هناك أنواع أخرى من الحشرات التي تتسبب في تلف الوثائق الأرشيفية كدودة الكيليوباترا مثلا.
- عوامل أخرى :
بالإضافة إلى كل ما سبق ذكره من أخطار تحذق بالأرشيف، فهناك عوامل أخرى لا يمكن تجاهلها كونها تتسبب في تلف وضياع الوثائق الأرشيفية سواء عن قصد أو عن غير قصد، أهمها السرقة: والتي يمكن الحد منها من خلال إتباع طرق وقائية في المخازن الأرشيفية، ويعود السبب عموما في ضياع تلك الوثائق إلى عدم وعي المسؤولين عن المؤسسات والإدارات العمومية بصفة خاصة بأهمية الأرشيف وقيمته الكبيرة، وتغافلهم عن تجهيز مكاتب ومخازن الأرشيف بالأبواب الحديدية، أو عدم فصل مكاتب الأرشيف عن المكاتب الأخرى بتلك المؤسسات، مما يؤدي إلى دخول أشخاص غرباء عن مصالح الأرشيف لسبب أو لآخر كوجود دورات المياه – التي تتسبب في مشاكل تسربات المياه – وجود آلات النسخ ، إشراك مصلحة أخرى في مكتب واحد مع الأرشيف، عدم إتباع المعايير الدولية في بناء مراكز الأرشيف – ولو أبسطها – مع إمكانية وجود المدافيء المركزية داخل مخازن الأرشيف – مما قد يحدث خطر الحرائق – عدم تخصيص قاعات مستقلة للأرشيف، تكليف أعوان غير مختصين للقيام بمهام الأرشيف وفق عقود عمل مؤقتة – مما يسمح باطلاعهم على أسرار تلك المؤسسات – … إلى غير ذلك من هذه العوامل التي على الرغم من بساطتها وسهولة السيطرة عليها، إلا أنها تتسبب في مشاكل عدة للوثائق الأرشيفية.
حماية الأرشيف من الأخطار والكوارث :
انطلاقا من كل ما سبق ذكره من أخطار وكوارث تهدد الأرشيف وتقضي عليه، وجب إتباع خطوات معينة من أجل الحـد من مثل هذه العوامل والحفاظ على الأرشيف وحمايته، وبالتالي الحفاظ على ذاكرة الأمة، وهذا في حد ذاته مطلب هام تسعى كل الدول نحو تحقيقه.
ومن أهم ما يمكن إتباعه، هو بناء مراكز الأرشيف حسب المعايير الدولية ووفق تعليمات الأرشيفي الذي يجب أن يكون حاضرا مع المهندس، لتفادي عدة أخطار كالفيضانات، خطر الانهيار، … إلخ.
- عدم تخصيص مكاتب ومصالح الأرشيف في الطوابق الأرضية لتفادي تسربات المياه، وبصفة خاصة مياه الأمطار والفيضانات .
- اعتماد شبكة الإنذار المبكر للحريق، وتوجد ثلاثة أنواع أجهزة الإنذار المبكر التي تنطلق كلها بطريقة تلقائية وهي: [7]
- كاشف الدخان: الذي ينطلق عند ظهور الإشارات الأولى للدخان، وحتى في حالات التدخين.
- كاشف الحرارة: وينطلق عند تغير درجات الحرارة داخل قاعات الأرشيف بازدياد حراري يفوق 15 أو 20 درجة، ويمكن للحريق في هذه الحالة أن ينتشر قبل انطلاق الإنذار.
- كاشف اللهب: حيث يترقب ظهور اللهب قبل أن يأمر بالإنذار.
ويعد الجهاز الأول أحسنهم على الإطلاق.
- وللحد من بعض الحرائق، يمنع منعا باتا التدخين داخل قاعات ومخازن الأرشيف.
- أما فيما يخص القوارض، فيفضل اصطيادها على استخدام السموم، ذلك أنه في حالة تناولها لتلك السموم، سوف تلجأ للاختباء في مناطق معينة داخل المباني، لتلقى الحشرات من جثثها رواسب تتغذى عليها، مما يسمح بتكاثرها وإحداث تلف للوثائق الأرشيفية.
- أما فيما يخص الحشرات فهناك عدة طرق للتخلص من الحشرات الضارة بدرجات مختلفة من النجاح، ومن بين هذه الطرق أكسيد الإثيلين (ETO) وبروميد الميثيل والفورمالدهايد، ومؤخراً تم استخدام أشعة جاما، وتتطلب معظم عمليات التبخير الكيميائي أن يتم إحاطة المواد باستخدام غرفة تفريغ هواء في حالة أكسيد الإثيلين (ETO) والمفارش البلاستكية أو المشمع فى حالات أخرى، وأشعة جاما، التي تستخدم للتعامل مع انتشار الحشرات والتعفن، تتميز بأنها لا تترك آثاراً، غير أن الدراسات أظهرت أن أشعة جاما تتلف مادة السليولوز، وهى المادة الأساسية في بناء الورق، وقد أوضحت الاختبارات مؤخراً فائدة البرودة والحرارة في قتل الحشرات الضارة، ومن المفضل استخدام المعالجة بالحرارة عن استخدام الكيماويات السامة.[8]
- هذا بالإضافة إلى عامل النظافة في المراكز الأرشيفية، وعدم إدخال أصناف المأكولات التي تتسبب في جذب الحشرات.
- وبالإضافة لكل ما سبق ذكره وجب وضع مخطط إنقاذ للأرشيف ضد الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية تحت إشراف المديرية العامة للأرشيف الوطني، سواء لما يحدث بعد الكارثة أو قبلها، وهذا لا يتأتى إلا بتضافر الجهود.
[1] قانون رقم 88-09 المؤرخ في 26 جانفي 1988 ، المتعلق بالأرشيف الوطني .
[2] منشور رقم 16 المؤرخ في 02 مارس 1999 ، و المتعلق ببرنامج بناء مراكز الأرشيف .
[3] http://www.moheet.com/show_news.aspx?nid=33975&pg=16
تمت الزيارة يوم 21/03/2009 .
[4] http://www.education.gov.bh/divisions/safety/fire.htm
تمت الزيارة يوم 20/03/2009 .
[5] عبد الكريم ، بجاجة. حماية الأرشيف من الحريق .- cybrarians journal .- ع 7 (ديسمبر 2005) . تمت الزيارة يوم : 19/03/2009.
http://cybrarians.info/journal/no7/archive.htm
.
[6] http://www.library.cornell.edu/preservation/librarypreservation/arabic/management/pestcontrol.html
تمت الزيارة يوم : 20/03/2009 .
[7] بجاجة ، عبد الكريم ، المرجع السابق .
[8] http://www.library.cornell.edu/preservation/librarypreservation/arabic/management/pestcontrol.html
تمت الزيارة يوم 20/03/2009 .