الخدمات الإعلامية

د. عماد بشير ; مدير كلية الإعلام والتوثيق الفرع الأول في الجامعة اللبنانية ; أستاذ مساعد في دراسات المعلومات والتوثيق الإعلامي ;

الصفحات: 34 - 36

 

تشير الأرقام المستقاة من تقرير لمؤسسة “بارك” التي تنشر دراسات حول الإعلان في البلدان العربية، إلى أن حجم الإنفاق الإعلاني الكلي خلال عام 2001 بلغ 2.276 بليون دولار كانت حصة الصحف منه 41% والتلفزيون 39% والمجلات 14% والراديو 3% واللوحات 3%. أما الإنترنت فإن ما ينفق عليها من الإعلان في البلدان العربية لا يزيد في أفضل أحواله عن أكثر من نصف بالمائة من إجمالي الإنفاق الإعلاني السنوي.

ولم تتبدل هذه الأرقام بشكل ملحوظ عن الأرقام الخاصة بالأعوام الأخيرة السابقة، كما انه من غير المتوقع لها أن تتبدل بشكل ملحوظ فيما يخص الإعلان في الإنترنت خلال الأعوام القليلة المقبلة. لذلك فإن مصادر الدخل الأخرى للصحف يجب أن تولى أهمية كبرى وأن يصار إلى تعزيزها في الوقت الذي ينتظر فيه تطور حركة الإعلان العربي على إنترنت.

من هذه المصادر توفير المعلومات الراجعة (غير الحديثة) بشكل إلكتروني إلى المستفيدين من القراء المداومين والباحثين لقاء بدل مالي عن طريق الاشتراك الشهري أو السنوي أو عن طريق عدد المواد الصحافية المسترجعة. وُيذكر في هذا المجال أن جميع الصحف العالمية الجادة في البلدان الغربية تضع ما تملكه من مواد صحافية راجعة في خدمة المستفيدين من مؤسسات وأفراد لقاء بدل مالي وإن معظم هذه الصحف ُيلزم المستفيدين دفع مبلغ يتراوح بين الدولار ونصف الدولار أو دولار وخمس وتسعين سنتاً أو دولارين وخمس وتسعين سنتاً مقابل المادة الصحافية الواحدة.

هذه الطريقة في تسعير المادة الصحافية الراجعة هي الأكثر انتشارا بين الصحف الغربية، ووجود ما يخالف هذا الأمر لا يلغي أن السائد في توفير المعلومات إلكترونياً للمستفيدين دون مقابل من خلال مواقع بعض الصحف ووسائل الإعلام على إنترنت لا يتضمن كامل المادة الصحافية الراجعة إلا في حالات محدودة جداً.

ُيشار هنا إلى أن توفير المعلومات الصحافية إلكترونياً للمستفيدين لقاء بدل مالي ليس أمراً جديداً وتاريخه يعود إلى بدايات السبعينات وقبل طفرة الإنترنت، ولكن التطور الحاصل في الشبكة الدولية زاد في عدد الشركات التي تعمل على توفير المعلومات الصحافية وغير الصحافية للمشتركين. وُجلّ ما تقوم به هذه الشركات هو الحصول على المادة الإعلامية المنشورة في الصحف والدوريات المختلفة مباشرة من منتجيها تم معالجة هذه المعلومات طبقاً لمواصفات معينة وتوفيرها للمستفيدين من خلال نظام استرجاع يتيح مراقبة ما يستخدمه كل مشترك.

هذا الأمر لم يعد مقتصراً على الشركات الغربية التي تمتلك مهارة تسويق المعلومات واختيار المصادر للمشتركين، بل انتقل إلى كل الأماكن التي تتوفر فيها خدمة الاتصال بشبكة الإنترنت. ومن هذه الأماكن البلدان العربية، حيث بدأت شركة ” صخر ” خدمة توفير محتويات أكثر من ثلاثمائة مصدر إعلامي إلى المشتركين لقاء اشتراك سنوي . وقبل شركة ” صخر ” دأب عدد من الشركات العربية التي تعنى بخدمات المعلومات والوثائق على تنمية مخزونها الإعلامي من نصوص وقصاصات مأخوذة من الصحف والدوريات منذ منتصف التسعينات وهي الآن تضع ما تملكه من معلومات ووثائق راجعة في خدمة المستفيدين لقاء اشتراكات شهرية وسنوية. من هذه الشركات ُيشار إلى الشركة العربية المتحدة للبرمجيات التي تدير موقع ” محيط ” على إنترنت وخدمة “زاد” الصحافية .

يستغرب الناشرون العرب فكرة توفير المعلومات المنشورة في المطبوعات التي ينتجونها إلكترونياً للمستفيدين لقاء بدل مالي، ولكن في الوقت نفسه يدفعون أثماناً كبيرة لكل مقالة أو خبر يسترجعونه من صحيفة غربية كبرى أو وكالة أنباء عالمية، ويفرضون في معظم الأحيان على زوار مراكز المعلومات التابعة لمطبوعاتهم دفع مبلغ من المال لقاء تصوير كل وثيقة ولقاء كل مطبوع يستنسخ منه.

وإذا كان السائد بالنسبة للوثائق والمواد الإعلامية الراجعة المطبوعة هو أن يدفع المستفيد بدلاً مالياً لقاء استخدامها ونسخها، فلماذا لا يتم إتباع الطريقة نفسها تجاه الوثائق والمواد الإعلامية المتوافرة إلكترونياً ؟ . يعتقد كثيرون أن السبب وراء ذلك يكمن في اهتمام الناشر العربي في إثبات وجوده على الشبكة العالمية من خلال توفير كل ما يمكن أن يزيد في عدد الزائرين لموقعه الإلكتروني في محاولة لكسب شرعية لموقعه الحديث. وهذا وهم كبير لا يحتاجه الناشرون خاصة أولئك الذين يستمدون شرعية وأهمية ما يقدمونه على مواقعهم الإلكترونية من خلال الوجود المطبوع لصحفهم. إضافة إلى ذلك، فإن استخدام المادة الإعلامية الراجعة غالباً ما يلجأ إليه الباحثون والمؤسسات البحثية والمعنية باتخاذ القرار، وهؤلاء على اختلاف درجاتهم واهتماماتهم يخصصون ميزانيات سنوية لمصادر المعلومات.

صحيح أن الغالبية العظمى من المؤسسات الصحافية العربية توفر كل ما تملكه من مخزون إلكتروني إعلامي دون مقابل إلى زوار المواقع الخاصة بها على إنترنت، ولكن هذه السياسة لا يمكن وصفها بالحكيمة بالنسبة للصحف التي توفر محتوى إعلامي جيد، وهي لن تؤدي إلى التطور التدريجي للموقع الإلكتروني وستعرقل الطريق أمام تنفيذ عدد من الأهداف الأساسية لتوفير المحتوى إلكترونياً. أول هذه الأهداف هو الظهور كمؤسسة مستقلة تقدم وسيلة إعلامية جديدة للناشر، لها فريقها الإداري الخاص والإشراف التحريري المستقل الذي يراعي شروط وحاجات وخصائص النشر الإلكتروني. وتشير الدراسات في هذا المجال أن عدداً كبيراً من الصحف في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا واليابان قد فصل ما بين الصحيفة المطبوعة وشقيقتها الإلكترونية من حيث الإدارة والتحرير وطبيعة المحتوى ومصادر الدخل والإنفاق لكل متهما، وأصبحت النسخ الإلكترونية بوابات إعلامية شاملة تجدد محتواها على مدار الساعة طيلة أيام الأسبوع وتسبق في كثير من الأحيان شقيقاتها المطبوعة في نشر الأخبار.

والجدير ذكره في هذا السياق أن التوفير الإلكتروني للوثائق والمواد الصحافية مباشرة للمستفيدين سوف يساعد في تخفيف الأعباء عن العاملين في مركز المعلومات المنوط بهم تأمين نسخ عن الوثائق والمواد الإعلامية المنشورة للمستفيدين من خلال إحالة هؤلاء مباشرة إلى النسخ الإلكترونية.

النقطة الأخيرة التي يمكن الإشارة إليها باعتبارها محور اهتمام ناشري الصحف الغربية تتمثل في التركيز على المحتوى الذي تنتجه صحفهم والاستعداد لتقديم هذا المحتوى بالشكل الذي يريده القارئ. وفي هذا المجال يذكر ناشر صحيفة ” نيويورك تايمز ” ما معناه أنه على استعداد لتقديم صحيفته إلى القارئ بالشكل الذي يناسب القارئ ويتماشى مع حاجاته ومتطلباته.

وختاماً على الناشرين العرب إدراك حقيقة وجود شركات مهتمة بتوفير المحتوى الإعلامي العربي إلكترونياً للمستفيدين من باحثين ومؤسسات بحثية علمية وسياسية اقتصادية لقاء بدل مالي، وإن ما سيرفض الناشرون العرب تقديمه عن المواقع الإلكترونية التي يمتلكونها سوف توفره هذه الشركات.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى