غرفة للقراءة
بعد أن فقدت المكتبات المدرسية مكانتها , أقام أمناء المكتبات صلات جديدة لنشر القراءة في مجتمعاتهم
خرج إيريك ” Eric” , وهو طالب في الصف الخامس , في مشوار لإحدى المكتبات , وعند رؤيته لأمينة المكتبة جانيس سويدر “Janice Swiedder” سألها والتجهم يكسو محياه من شدة التركيز : ( هل لديك أي كتب بخمسين سنتاً ؟ ) . فبادرته بقولها ” نعم ” عندها ارتسم على وجهه تعبير لا يوصف , وتساءل ” أين أجدها ؟ ” فأجابت , وهي تشير إلى صف من أرفف الكتب , هناك في كتب التراجم . ” أستطيع أن أجدها بنفسي ” أجاب وهو غير مصدق نفسه “. و بالنسبة لإيريك وزملاء فصله كان البحث في رف مزدحم بكم هائل من الكتب لاختيار أحدها عملية شاقة , إلى أن تحولت , في الفترة الأخيرة , مكتبة مدرسة برادلي الابتدائية إلى عربة دوارة تدفعها جانيس من فصل لآخر لكي تسلمهم الكتب المهجورة في المستودع .
وفي طريقها للفصول , تذكرت جانيس , وهي أمينة مكتبة بولاية نيوجيرسي , كيف كانت تتقاسم غرفة المستودع مع اثنتين من معلمات القراءة , حيث لم يكن لديها مكتب ولم يكن يسمح للأطفال بالدخول للحصول على الكتب . وقد استخدمت الغرفة كمقلب للأجهزة والمستلزمات المدرسية القديمة , حتى أنهم كانوا يطأن بأقدامهن على بقايا تلك الأجهزة المنثورة هنا وهناك . ” لقد كان الأمر مريعاً ولكننا نجحنا في استغلالها” .
ويبدو هذا كإحدى حكايات الأخوان غريم وليس كقصة واقعية في القرن الحادي والعشرين . وتعلق ليندا لوكي Linda Lucke , وهي أمينة مكتبة بولاية إلينوي والرئيس المشارك لمؤتمر مكتبات NEA حول القرائية المعلوماتية والتقنية , ” يبدو وكأننا نسمع الكثير من القصص عن عربة الكتب وخزانة المستودع ” . والآن , وللمرة الأولى منذ 15 عاماً , أصبح لمدرسة برادلي مركز مصادر تعلم أنيق وكامل التجهيزات , وذلك بفضل تدخل المدير الجديد للمدرسة السيد سافي Savvy وبفضل المنحة المقدمة من برنامج جوائز مكتبة ” القراءة عبر أميركا” التابع لجمعية NEA . ولكن ماذا عن المدارس التي ليس لديها منح ؟
ووفقاً لما تقوله ليندا فإن العديد من المدارس تفقد أمناء مكتباتها وهي في أشد الحاجة لهم. وبسبب قرارات تتعلق بالتمويل وخفض النفقات تفقد بعض المناطق التعليمية أكثر من نصف أمناء المكتبات المعتمدين كما هو الحال في منطقة فيدرال واي بمقاطعة كينجز في واشنطن . وتضيف بأن ربع مدارس ولاية تكساس لا يوجد بها أمناء مكتبات , بينما في كاليفورنيا 20% فقط من المدارس لديها معلمي مكتبات معتمدين وبعضهم غير متفرغ . وفي إنديانا تشير تقارير تحليل الاتجاهات لعام 2006م إلى أن عمليات شراء الكتب تنخفض في الولاية بنسبة 26% منذ عام 2000م .
وحتى مع عدم تخفيض الميزانيات لا تزال مكتبات عديدة تفقد مكانتها . وطبقاً للتقرير الصادر عن مجلة المكتبة المدرسية School Library Journal , فإن المكتبة المدرسية ذات الميزانية الثابتة تشتري كتباً أقل من المطلوب بنسبة تقترب من 15% , وهذا لا يمكن إدراجه في تكلفة التقنية . ولكي تحافظ أي مدرسة على تحديث مجموعة المراجع لديها يجب أن تشتري كتاباً واحداً لكل طالب سنوياً , وكتابين أو ثلاثة لكل طالب لكي تنمو مجموعتها .
ومع تعاظم أهمية القراءة وتنامي الاهتمام بالقرائية لابد أن تستمر المكتبات المدرسية في التنافس على الموارد الثمينة للمدرسة متمثلة في المساحة والمال وهيئة التدريس بل وحتى المكانة والاحترام . وتشير ليندا لوكي إلى أنه لم يرد أي ذكر لدور أمناء المكتبات في جميع ثنايا قانون عدم إهمال الأطفال NCLB ( وهو قانون فيدرالي أميركي صدر عام 2002م بهدف إعادة اعتماد البرامج الفيدرالية التي ترمي إلى تحسين أداء المدارس الابتدائية والثانوية ) : ” لقد تم تجاهلنا عند استدعاء المعلمين ذوي الكفاءة العالية رغم أن أمانة المكتبات لا تزال ضمن برنامج الماجستير في معظم الولايات ” .
وفي أغلب الأحيان لا تحسن إدارة المدرسة استغلال دور أمناء المكتبات بل وتقلص دورهم وتحصره في وضع الكتب على الأرفف أو تسليمها للطلاب بدلاً من معاملتهم كمعلمين مشاركين لمعلمي الفصول في تدريس المنهج . كما أنه في العادة يُسند إليهم أدوار متعددة أو متضاربة , فمثلاً دان لوف Dan Love يعمل أمين مكتبة في مدرسة دبلن الابتدائية بولاية مينيسوتا , وفي نفس الوقت يعمل معلم مصادر الحاسب الآلي , ومنسق جمع الأموال والتبرعات . كما أنه طوال السنوات الأربع الماضية يخصص نصف دوامه الأسبوعي للعمل كمعلم في وقت الإعفاء ( وهو وقت يُعفى فيه الطلاب من الحصص العادية لتلقي تعليم ديني ) , ويعلق دان على هذا الوضع بقوله ” حالياً لا يوجد لدي وقت للتعاون مع المعلمين الآخرين و ينحصر تعاملي معهم معظم الوقت حول الأمور التقنية , ولذا فإن العمل الذي يمكنني القيام به لدعم تدريس المنهج يؤجل لوقت آخر ” .
وتشير الأبحاث إلى أن بعض الخطوات تعطي نتائج عكسية . وفي هذا الصدد , تصرح لوكي قائلة : ” بصفة عامة , اكدت هذه الأبحاث أن المكتبات الجيدة تخرج طلاباً جيدين وهذا يؤدي بدوره إلى نتائج جيدة في الاختبارات ” . وتستشهد على ذلك بالدراسات التي أجرتها كيث كاري لامبز Keith Curry Lambs – مديرة البحوث في مكتبة ولاية كولورادو- في 16 ولاية والتي تبين أن المكتبات التي لديها كفايتها من الموظفين والمراجع والتقنيات الحديثة تحت قيادة أمين مكتبة معتمد يعاونه أحد المساعدين ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالدرجات المرتفعة في الاختبارات في جميع المراحل التعليمية “.
” يجب أن يهدف برنامج مصادر التعلم بالمكتبة المدرسية إلى دعم المنهج وعملية التعلم بالمدرسة ” هكذا تصرح جولي وولكر Julie Walker المديرة التنفيذية للجمعية الأمريكية للمكتبات المدرسية , وتضيف بأن ” المدرسة بالكامل تستفيد عندما توفر مكتبة مدرسية لا تُعنى بتقديم التسهيلات المادية فقط ولكن بالانفتاح الفكري أيضاً “.
ويعتبر برنامج المكتبة جزءاً لا يتجزأ من المنهج في مدرسة بترفيلد الابتدائية , وهي المدرسة التي تعمل فيها لوكي بولاية إلينوي ” أنا محظوظة بالعمل في منطقة تعليمية تعلي من قيمة مدارسها ومكتباتها ” , وهي تتعاون مع مدرسي الفصول في تنسيق دروس المكتبة مع وحدات الفصل . ولكن حتى مع توفر التقنية الحديثة والميزانية المعقولة والدعم الجيد من الموظفين فإن أمينة المكتبة لا تزال تشعر بعجز الميزانية التي لم ترتفع منذ سنوات عديدة ” نريد القيام بالكثير لكننا لا نستطيع .إن جميع المدارس تكافح إلى حد ما” .
وتمشياً مع هذا الوضع توصل أمناء المكتبات إلى طرق جديدة ومبتكرة للوصول للقراء سواء داخل أو خارج المدرسة . ففي مدرسة المنطقة الوسطى الثانوية بولاية نيو جيرسي افتتحت كيلي لاشر Kelly Lasher نادي الكتاب للكبار بناءً على اقتراح من نائبة مديرة المدرسة , حيث توجه الدعوة شهرياً لأولياء الأمور والمربين وأفراد المجتمع للاجتماع في المكتبة المدرسية المجددة . وتقول لاشر أن
” مديرة المدرسة أخبرتني أثناء المقابلة الشخصية أن المكتبة تمثل أولوية ومكان رئيسي ينجذب إليه الناس , ويساعدني في ذلك أن هيئة التدريس تنظر للمكتبة كمكان يمكن الاعتماد عليه في تنفيذ مهام معينة ” .
إن ( كتاب واحد , مدرسة واحدة ) وهو برنامج مكتبات اكتسب شعبية في المناطق التعليمية عبر البلاد قد استحوذ على اهتمام الجميع في مدرسة إليزابيث المتوسطة والثانوية “بولاية إنديانا , حيث انخرطت المدرسة بالكامل في قراءة رواية Uglies “” وهي ثلاثية ( ثلاثة مؤلفات أدبية حول موضوع واحد ) من أدب المستقبليات ومن تأليف سكوت ويسترفيلد Scott Westerfeld , وتدور أحداث الرواية في عالم خيالي يخضع فيه كل فرد لعملية جراحية تجعله جميلاً عندما يتجاوز عمره السادسة عشرة ما عدا القبحاء ( جمع قبيح أو uglies , وهم مجموعة من المراهقين المتطرفين الذين يقررون الاحتفاظ بوجوههم كما هي . وتعلق آن جانتيزن Ann Jantzen – وهي أخصائية مصادر تعلم – على هذا بقولها :
” لقد اخترنا كتابا موضوعاته ذات صلة بالمنهج , وقمنا بتنسيق الدروس التي تلبي معايير ولاية إنديانا ” .
لقد اشترت جانتزن 500 نسخة من الكتاب من خلال منحة مقدمة من مؤسسة هاريسون الخيرية , ثم قامت بتوزيع نسخة على كل طالب وعلى جميع منسوبي المدرسة بما فيهم العاملين في مجال الدعم التربوي والمدراء وأعضاء مجلس إدارة المدرسة . وتصرح جانتزن قائلة : ” لقد كان التأثير مذهلاً , حيث بادر الطلاب إلى المكتبة لحجز النسختين الثانية والثالثة من الثلاثية حتى قبل أن ينتهوا من الكتاب الأول , بل أحيانا حضر الطلاب المعروف عنهم كرههم للقراءة ومن بينهم ست طلاب يواجهون خطر عدم التخرج , حيث قالت معلمتهم أنهم يحبون هذه الرواية حباً جماً لدرجة أنها اضطرت إلى مطالبتهم بالتوقف عن قراءتها حتى يدرسون المواد الأخرى . لقد أثار الكتاب ضجة لدرجة أن الطلاب استوقفوا نائبة مديرة المدرسة عند الكافتيريا للحديث عن هذا الكتاب , كما أن الآباء والأجداد يقرأونه . وعندما قام المؤلف سكوت ويسترفيلد بزيارة المدرسة لقي ترحيبا واستقبالاً مثل نجوم موسيقى الروك .
وعودة إلى مدرسة برادلي الابتدائية فنجد أن برنامج المكتبة قد شهد أيضاً عصر نهضة وازدهار حيث تشرف سويدر على مجموعة جديدة رائعة من الكتب تختلف بعد السماء عن الأرض عن عربة الكتب القديمة التي كانت تتجول بها على الفصول . والآن عندما يلج الطلاب المكتبة يمكنهم رؤية لوحات لفنانين محليين , ويؤدون مسرحياتهم على مسرح الدمى المتحركة , ويستمعون للإذاعة من خلال جهاز DVD وسماعات الرأس , ويستخدمون الحاسوب واللوحة الذكية Smart Board ( لوحة بيضاء تفاعلية ذات سطح حساس يعمل باللمس للتحكم في سطح الكمبيوتر حيث يقوم إصبع اليد مقام الفأرة ) , ويتجولون من رف إلى رف آخر حتى ينسوا أنفسهم في عالم الكتب .
الآن يستطيع طلاب مدرسة برادلي الاختيار من بين 30 عنواناً عن سلسلة اكتشاف الديناصورات ومخلوقات ما قبل التاريخ , ولديهم معرفة برحلة الملاحين إلى بلدة تاسكيج Tuskege ( شرقي ولاية ألاباما) في رحلتهم للحرية , كما يقرأون كتب السير والتراجم عن المشاهير المفضلين لديهم . وتتذكر سويدر ما حدث بقولها : ” بعض طلاب الصف الخامس لدينا لم يذهبوا أبداً إلى المكتبة , لقد استغرقوا وقتاً طويلاً لكي يفهموا أن الكتب توضع على الأرفف بنظام ولا تكوم في صندوق . أما الآن وقد أصبح لديهم مكتبة فقد أصبحوا مثل قطعة الإسفنج الصغيرة التي تريد امتصاص كل شيء فوراً ” .
إغاثة القراء
” كتب متعفنة ودهانات مقشرة ومكتبات في حالة مزرية ” لم يحدث هذا في المدارس التي ضربها الإعصار ” هكذا تقول آنيتا ميرينا Anita Merina منسقة برنامج القراءة عبر أميركا التابع للجمعية التربوية الوطنية والذي تم تدشينه في أعقاب كارثة الإعصار كاترينا , وهذا العام انطلق لإغاثة المكتبات المدرسية المتضررة من جراء تغافل الميزانية عنها وعدم وصول التسهيلات المادية إليها بسبب الإعصار.
ويقوم برنامج القراءة عبر أميركا بالاشتراك مع برنامج READsign ,وهو مشروع جديد للقراءة تابع لمؤسسة قلب أميركا Heart of America “HOA” , بتقديم ليس فقط الأموال والكتب إلى المدارس المحتاجة بل قوالب البناء أيضاَ . لقد تولدت فكرة برنامج READsign ” أو تجديد المكتبات ” – وهو برنامج يقوم بتجديد المكتبات , واستكمال وسد النقص في أرفف الكتب , وتحديث التقنيات – عندما أخبر أحد الطلاب السيدة آنجي هالامنداريس Angie Halamandariesرئيسة مؤسسة قلب أميركا بأن المكتبة مكان مروع لا يمكن الذهاب إليه . وترى مرينا وكذلك هالامنداريس أنه إذا افترضنا أن المكتبة المدرسية هي جهة العرض الوحيدة لكتب الأطفال فإن وضع الكتب في غرف لا يريد الأطفال زيارتها يمثل مشكلة خطيرة . وتضيف هالامنداريس أن الدراسات تشير إلى أن الأطفال الفقراء لديهم في المنزل أقل من كتابين مناسبة لأعمارهم , بل أحياناً لا توجد كتب على الإطلاق , وذلك مقارنة بالأسر متوسطة الدخل التي لديها ما يقرب من 50 كتاباً , وحوالي 200 كتاباً للأسر الثرية . وما يزيد الطين بلة أن الأطفال الفقراء يعانون أيضاً من ندرة الكتب عند وصولهم للمدرسة . فبينما يشير متوسط التقديرات الوطنية إلى وجود 18 كتاباً لكل طالب في المكتبة المدرسية , نجد أن العديد من المدارس في المناطق المهمشة لديها أقل من كتاب واحد لكل طالب .
إن الكتب والمصادر والأموال التي يقدمها برنامج القراءة عبر أميركا وشركاؤه من أجل جسر هذه الهوة تحدث أثراً عميقاً . وتعلق ميرينا بقولها : ” عندما نزور المدارس نجد الناس يبكون ويشكروننا على الاهتمام بمجتمعهم . إنه لشعور رائع أن تدرك الأثر المستديم الذي نتركه في نفوس أجيال المستقبل من القراء ” .