عصر المعلوماتية ماذا يخفي بين طياته

أ.حنان الصادق بيزان ; hanbezan@yahoo.com ; ماجستير مكتبات ومعلومات ; طرابلس - ليبيا ; ;

الصفحات: 18 - 22

 

لم يعد يختلف اثنان في القول بان العالم يدخل في رحاب ألفيه جديدة نتيجة لثورة اتصالية معلوماتيـة تبشر بانعطافه تاريخية وبحضارة لم نعهدهـا من قبل على مــر العصور البشريـة ، فالمرحلة التي نعيشها حالياً هي مرحلة ما بعد التصنيع او بالأحرى عصر المعرفة والتى تمثل دون شك حقبة جديدة في حياة المجتمعات البشرية قاطبة ، حيث نقلت المجتمعات من صناعية الى معلوماتية تلعب فيها شبكات المعلومات ووسائل الاتصال الحديثة دوراً متميزاً فالمنتج الأساسي في عصر المعلوماتية ليس الفولاذ ولا الفحم ولا السيارات بل هي المعلومات.

وتلك الأخيرة تمثل قيمة وقيمة مضافة منتجة بذلك المعرفة ، والعامل الحاسم في الحياة الاجتماعية عموماً سيتمحور حول المعرفة بل ان الوظائف الاقتصادية الاجتماعية لرأس المال تنتقل الى مجال المعلوماتية ، وفي اطار هرمية المعرفة وانتاجها فان نواة التنظيم الاجتماعي والمؤسسة الاجتماعية الرئيسية لمجتمع الغد ستتمحور حول  في الجامعة باعتبارها مركز لإنتاج وتصفية وتراكم المعارف ، في حين نجد المؤسسة الصناعية  تفقد دورها القيادي ، وبهذا فان مستوى المعلومات وليس الملكية يشكل العامل الحاسم في الفوارق الاجتماعية فالناس ينقسمون الى مالكي المعلومات وغير مالكيها وهنا ينتقل مجال الصراعات الاجتماعية من مجال الاقتصاد الى مجال الثقافة وان ما يشكل البنية التحتية للمجتمع المعلوماتي هو التقنية الفكرية ، ولعله هنا تكمن حقيقة مجتمع المعلوماتية كنسق اجتماعي .

ولنتفق جميعا منذ البداية على ان جوهر المعلوماتية هي حالة ذهنية جديدة ونمط تفكير مختلف للانسان تدعمه بذلك تقنيات المعلومات والاتصالات من عتاد او تجهيزات لشبكات الحواسيب ومحطات اتصالات وبرمجيات ومزودات قواعد البيانات ، ويضاف الى ذلك العنصر الأهم في هذه المنظومة المتكاملة والذي يعتبر المعادل الموضوعي لموارد النظام المادية وهو الإنسان صانع المعرفة من حيث صيرورتها وتشكلها وأساليب استخدامها ، بمعنى آخر ان المعلوماتية عبارة عن منظومة ثلاثية الأبعاد وهي العتاد (Hardware) والبرمجيات (Software) والموارد المعرفية (Knowledgeware) (1).

ووفقا للطرح أعلاه فان المحصلة الطبيعية لثورة الاتصالية المعلوماتية هي إنتاج المعرفة وتخلقّ مجتمع معلوماتي معرفي يصبح فيه العلم عنصراً أساسيا من عناصر الإنتاج ، فمن أهم مميزات العصر المعلوماتي او العصر مابعد التصنيع مقارنة بالعصر بالصناعي هي تداول المعلومات في المجتمع في إطار ثورة ثقافية ونشر المكتبات والتشجيع على القراءة ، هذا  من الناحية التقليدية ، اما اذا نظرنا إليه من الناحية الحديثة فهى إنتاج المعلومات وتداولها مع بروز شبكات المعلومات بما فيها من طرق التراسل والتواصل التي تسمح بالاتصال المباشر بين البشر في مختلف أنحاء العالم .

ان كل ذلك  يدلل على ان عصر المعلوماتية الذي أصبح حقيقة واقعة في المجتمعات المتقدمة وما صاحبه من أبداعات بشرية في تقنيات المعلومات والاتصالات المهيمنه بالفضاء المعلوماتي والمعرفي ، قد وفر الان فرص التواصل بين البشر اكثر إتاحة مقارنة بما سبق من العصور الزراعية والصناعية ، وبدن شك فان انماط التواصل الجديدة هذه قد بدأت تتضح قسماتها في العديد من المجتمعات النامية ولو بصورة بطيئة الا انها سائرة نحو التوسع والتعميم خلال العقود القليلة القادمة .

وفـي معرض الحديث عن الجوانب المشرقة لعصر المعلوماتية لابد من الإشارة الى الإنترنت بوصفها مكتبة العالم في مجتمع المعلوماتية ، اذ ان المواد على الإنترنت تتنوع بشكل يتخطى بعيداً المدى الذى تغطيه المكتبة التقليدية في السابق حيث تضم المكتبات الرقمية صور طبق الأصل للعديد من الكتب والصور والتسجيلات التي تحفظ التراث الثقافي للبشرية والتى بالإمكان إيصالها للمستفيدين حسب احتياجاتهم الى مكاتبهم او منازلهم بثوانٍ ، بل ويتعدى إيصال المعلومات بهـذه السرعة الفائقة الى عدد اكبر من البشر بصورة مشابهة تماما للإرسال الإذاعي .

ولا يفوتنا ان نذكر الفوائد التي تقدمها المعلوماتية للعملية التعليمية ، اذ كما يوضح جيتس مؤسس الشركة المعلوماتية العملاقة (مايكروسوفت) وهو  يستعرض فوائد التعليم ان استخدام تقنيات المعلومات يتيح تفاعلية بين النظام والمتعلم إذ ما قورنت بالتعليم التقليدي وشعور الطالب بالإحباط والشعور بالتقصير عند حصوله على درجة سيئة في الامتحانات وما يولده لدى التعلم من مواقف سلبية تجاه التعليم  وربما ينتج عن ذلك تسرب من التعليم  .

ولا يغيب على المختص ما توافره الأقراص المدمجة لخدمة العملية التعليمية من مناهج مفتوحة ووسائل ذكية بما توجه من تفاعليه اذ ان البرمجيات تستجيب للتعليمات من خلال عرض المعلومات في صورة نص او شكل سمعي او فيديو فهي تعد تقدما كبيراً مقارنة بالنصوص الورقية ، ويضاف الى ذلك الموسوعات متعددة الوسائط ليس بالأداة البحثية فقط بل انها توفر كل أنواع المواد آلتي يمكن إدماجها في وثائق الواجب الدراسي المنزلي ، فهي تتوافر مزودة بـأدلة للمدرس تتضمن اقتراحات فيما يتعلق بطرق استخدام الموسوعات داخل الفصل الدراسي (2)  .

وفي نفس السياق هنالك إيجابيات الثورة الاتصالية المعلوماتية الأخرى التي تَعدُ بتغير لأنماط وأساليب الحياة بصورة جذرية في سبيل تحقيق منفعة اجتماعية كزيادة إمكانية الربط الدائم بالإنترنت وانخفاض أسعار التكاليف آلتي تؤدي الى تسريع نمو التجارة الإلكترونية وتنامي الجماعات المرتبطة بالشبكة اذ تتمثل المنفعة الاجتماعية في إحساسهم بالمتعة وشعورهم بتحقيق إنجاز ما من جراء استهلاكهم وانتفاعهم بالخدمات ، وقد يصعب التنبؤ بدقة أنواع السلع والخدمات آلتي سوف تبرز في نهاية المطاف .

ولكن ما أود التأكيد عليه مجدداً هو تحقيق المنفعة او الإفادة من جراء ذلك حيث ان جل التطورات التقانيه التي تبدو ضئيلة في بدايتها تتسبب لاحقا بحدوث تطورات وتغييرات كاسحة وغير متوقعة في البني الاجتماعية والاقتصادية ، اذ ان المعرفة النظرية والمعرفة التطبيقية في كل مرحلة من مراحل التطور البشري تتصاعد بصورة أسية ، والمعرفة العلمية والمعرفة التقنية تسير يدا بيد وبصورة مصاحبة ولعل هذا مايؤدى الى مايطلق عليه بالأثر الاضافي اى ان عند انتشار التقنيات الحديثة بشكلها الواسع بالمجتمع تتشكل تقنيات ابداعية نتيجة لهذا الاثر فتعدل من المجال الانتاجي والاداري وينعكس ذلك على المضمون التعليمي (3) .

واذ ما ضمنا في تصورنا كافة الخدمات المتاحة في ظل عصر المعلوماتية بما فيها من التعليم والعناية الطبية عن بعد وإيصال الأخبار المرئية حسب الطلب على الشاشة ، وإعداد برامج تسلية مرتبطة بتعليقات المتصفحين ومصحوبة بقوائم لشراء التذاكر والقيام برحلات سياحية افتراضية الى أمكنة الترفيه البعيدة وأسواق مؤتمتة يقوم فيها العملاء بعمليات البيع والشراء .. وغيرها فهذه جميعها أمور يمكن تحقيقها ولا يمكن تجنبها وفقا للمؤشرات والمعطيات التقنية الراهنة (4) ، فربما هذه الصورة قد تحمل البعض على الظن بأننا بصدد يوتوبيا او مدينة فاضلة تقنية يتاح فيها لكل أنماط البشر بغير تفرقة على أساس الجنس او اللون او الدين ان يتفاعلوا معا وينعموا بثمار المعلومات المتنوعة والمعارف الإنسانية آلتي لا حدود لها .

ولكن في حقيقة الأمر مثلما للعصر المعلوماتي جوانبه المشرقة له أيضا أخرى مظلمة يستوجب التنبيه إليها وأخذها بنظر الاعتبار ، فعلى الرغم مما يتيحه العصر المعلوماتي من فرص اتصاليه بين البشر الا ان ذلك يتوقف على مدى امتلاكهم للوسائل الاتصالية ومهارتهم في استخدامها وهذه تعتمد بدرجه أساسية على جودة البني التحية والفوقية للمعلوماتية بتلك المجتمعات .

اذ ان ذلك من شأنـه زيادة توسيع الهوة بين الأغنياء والفقراء ، بمعنى آخر حدوث فجوة بين مالكي ومنتجي المعلومات والمعرفة والآخرين المستهلكين لها ، وخاصة بعد  ان رفعت تقانـة المعلومات معـدل الطلب على الكفاءات الخبيرة المؤهلة معلوماتيا وقللت الحاجـة الى الكفـاءات غير الماهرة ، بذلك فقد خلقت مجتمعات غنية باقتنائهـا لقنوات المعلومات والمعرفة وأخرى فقيرة لافتقارها للمعلومات ذاتها ، فكـل ذلك يعبر عن هواجـس ومخـاوف تشكل تهديداً جديداً على سياسـات ومصائـر أمـم بأكملها من غير اللجـوء الى استخدام القوة العسكريـــة .

ويقودنا هذا الى التسليم بان المعلوماتية قوة في حد ذاتها اذ تقاس قوة الدول والمجتمعات بما تملكه من تقانة معلوماتية وتنتجه من معرفة ، واذا ما تأملنا المرحلة التاريخية الراهنة نجدها تتسم بصراع ثقافي واسع المدى بين أطراف متعددة ومختلفة حيث يحاول كل طرف ان ينتج خطاباً يهيمن فيه على الآخرين معلوماتياً وثقافياً وسياسياً واقتصادياً لأدركنا  صعوبة الإبحار في هذا المحيط المعلوماتي الملئي بتيارات فكرية شتى تسعى جميعها على تأكيد الهوية منتجه بذلك حلبات صراع ثقافي كوني .

وتتضح نصب أعيننا أمام هذا الصراع الثقافي الكوني قضيه غاية في التعقيد والخطورة  تتجلى في الجانب القيمي لثورة المعلوماتية الا و هي  الغزو الثقافي للشباب والذى أصبح مسألة صعبة ومركبة من جهة وإشكاليـه من جهة أخرى خاصة إزاء التدفق المكثف للمعلومات من جانب واحدٍ ، وهـذا ما يجعلنا نقف وجهاً لوجه أمام ظاهرة العولمة آلتي تحمل بين طياتها اختراق الخصوصية وطمس الهوية . ولعل أساس وجوهر الإشكالية يكمن في حركة تدفق المعلومات أحادية الاتجاه اذ تسير من المركز المنتج للمعلومات الى دول الهامش المستهلكة (5) ، ومن كل هذا علينا ان نثير تساؤل ماذا أعدت المجتمعات العربية لنفسها لتكون عنصراً فعالاً في منظومة الألفية الثالثة .. ؟ فقد انقضى عصر الانعزال ومن لم يتقن علوم العصر الجديد سيحكم على نفسه بالانقراض بالمعنى التاريخي للكلمة

 

الهوامش

1 )سعد غالب ياسين .\  المعلوماتية وإدارة المعرفة : رؤيا استراتيجية عربية \  ، مجلة المستقبل العربي ،ع260 ( أكتوبر -2000 ) . ص 118-120.

2 ) بيل جيتس . المعلوماتية بعد الإنترنت : طريق المستقبل ؛ ترجمة عبد السلام رضوان . ـ الكويت : المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، 1998.ص 308 – 313.

3 ) دارم البصام .\  حول استشراف مستقبل التعليم في الوطن العربي : إشارة خاصة الى مستقبل العلاقة بين التعليم والعمل \  ، الندوة العربية حول مستقبل التعليم في الوطن العربي ، 1996 .ص 36 .

4 ) تقرير خاص عن \  تقانة العصبة الترددية العريضة : خدماتها الواعدة والتحولات الاجتماعية التي ستفرضها \  . مجلة العلوم ، ع5/6  ،2000 . ص 65 – 70 .

5) جلال شوقي .\  العولمة بلغة المعلومات … معلم حضاري وقاعدة هيمنة \  . صحيفة الأهرام ، 22-أكتوبر -1999.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى